لاتتعجب من المشهد الفلسطينى لأن ثمة متغيرات قد طرأت على الساحة أقنعت الفرقاء الفلسطينيين وبخاصة أصحاب المواقف المتشددة أنه لاجدوى من الإنقسام , وأن الإلتقاء على مائدة الحوار هو الحل بعد طول انتظار ويبقى المساومة على أخذ مايمكن الحصول عليه من التنازلات من طرفى الإتجاه المعاكس .
فجأة أعلن عباس وعلى غير توقع أنه مع الحوار الفلسطينى الفلسطينى وهذه المره لم يضع العقدة فى المنشار ويصرح كعادته بشرط عودة الإنقلابيين عن إنقلابهم ويقصد منذ سيطرة حماس على قطاع غزة فى 14 يونيو 2007 وبعد مرور عام من هذا الحسم العسكرى , والمتغير الآخر حول عباس بشأن الحوار هو إصداره تعليمات مشدده لرجال الإدارة الأمريكية من حوله وبخاصة نبيل عمرو والطيب عبد الرحيم وياسر عبده ربه بألا يصدروا تصريحات متشنجه حول دعوته للحوار حيث ظلت اللغة السائدة لرجال عباس الموالين لكونداليزا رايس هى الإنقلاب والإنقلابيين . ومن هنا تبدو المفارقة فبعد أن كان الحوار مستحيلا قبل ذلك بين فتح وحماس بسبب الفيتو الأمريكى والتهديد الصهيونى , انقلب السحر على الساحر وبات الحوارقاب قوسين أو أدنى وبدون الشروط المستحيله لعباس والذين من حوله .
لكن السؤال مالذى تغير بين فتح وحماس حتى يكون هناك هذا التقارب ؟ لو رتبنا الأولويات فى أسباب تغير مواقف عباس وبهذه السرعة نجد السبب الأكثر إلحاحا هو قرب فك الحصار ولو جزئيا حول قطاع غزة بعد اتفاق التهدئة الذى تم إبرامه بين الكيان الصهيونى والفصائل الفلسطينية بوساطة مصرية وهذا يعنى انتصارا كبيرا لحركة حماس فى القطاع وانهيارا لللحصار الذى كان يهدف لإسقاط مشروع حماس المقاوم فى غزة والضفة وليس فقط حكم حماس فى قطاع غزة , ومن هنا سرّع عباس من وتيرة التقارب من حماس ومن قطاع غزة بإرسال وفدا فتحاويا من الضفة الى القطاع ولأول مرة منذ عام للتشاور مع القيادات الفتحاوية فى غزة حول مشروع الحوار وهناك أنباء عن قرب وصول عباس لغزة ولأول مرة منذ عام أيضا , وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية حذرت عباس منذ أيام من هذا التقارب وهو ماأبدى له عباس بعض المرونه متمثلا فى بطئ عملية الحوار وفشل المباحثات التى أجراها وفدى حماس وفتح فى السنغال برعاية الرئيس السنغالى عبد الله واد وهو أيضا رئيس منظمة المؤتمر الإسلامى , الا أن قرب نهاية فك الحصار عن غزة وانهياره جعل عباس يصر على أن يكون متداخلا فى هذا المشهد حتى لايفوته أن يظهر أمام شعبه وهو ماكان سببا فى فك هذا الحصار ولولاه مانفك.
لو نظرنا للأسباب الأخرى بأولويات الترتيب نجد على رأسها فشل المباحثات القائمة بين عباس وأولمرت بل انهيارها غير المعلن حول التسوية النهائية للقضية الفلسطينية وعلى الرغم من المرونه الكامله التى أبداها عباس فى مسألة اللاجئين والقدس والمستوطنات وحدود الدولة الا أن الكيان الصهيونى لم يعط عباس الحد الأدنى من ذلك ولا حتى رفع الحواجز من الضفة وحتى المال الذى كان يتدفق بسخاء على رام الله بدأ الكيان الصهيونى فى التضييق على ارساله مع انشغال الإدارة الأمريكية بقيادة بوش وقرب رحيلها من البيت الأبيض وتهم الفساد التى لحقت بأولمرت وتهدد مستقبله السياسى , الأمر الذى حيّر عباس فلم يعد يدرى من يفاوض حيث أولمرت ومشاكله وبمن يستعين حيث بوش ومشاغله وقرب رحيله . وباتت شعبية أبو مازن فى الحضيض وتداعت شعبية فتح ووصلت الى أدنى مستوى لها فى الأراضى الفلسطينية وفى الشتات وحيث التهديد بإنشطار الصف الفتحاوى وانقسامه وكان من علاماته التراشق الإعلامى بين قياداته وانهيار فرص انعقاد المؤتمر العام لحركة فتح وزيادة معدلات قضايا الفساد بين القيادات الفتحاوية والعداء الحاد بين معظم قيادات فتح وفياض رئيس حكومة رام الله . وحتى يحصل عباس على جزء من الكعكة ويحفظ ماء وجهه قبل بدأ الحوار مع حماس صال وجال على بعض الدول العربية وكان محور محادثاته مع زعماء هذه الدول التوسط لدى الإدارة الأمريكية والكيان الصهيونى لتخفيف الضغط على عباس فى تقربه من حماس لبدأ الحوار والضغط على حماس لتقديم تنازلات قبل بدأ الحوار ومنها عودة الأجهزة الامنية الموالية لعباس الى القطاع وتنفيذ المبادرةاليمنية بالتفسير العباسى. وستظل التجازبات حول عباس منها ضغوط الإدارة الأمريكية والتهديد الصهيونى بقطع المفاوضات والحصار المالى لرام الله وضغوط الرجال النافذين حول عباس والموالين للإدارة الامريكية عائقا فى بدأ الحوار .
إلا أن نجاح جهود التهدئة وقرب نهاية فك الحصار عن قطاع غزة وإنجاز تبادل الأسرى بين حماس والكيان الصهيونى متمثلة فى الإفراج عن مئات الأسر الفلسطينيين فى مقابل الجندى الصهيونى جلعاد شاليط سيزيد من حماس عباس وتسريع وتيرة تقاربه من حماس وانجاز الحوار , والعكس سيجعل عباس مترددا ومتوجسا من هذا الحوار . د محمد يوسف