هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:01 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اقدم لكم اخوانى واخواتى فى مجموعة لا اله الا الله سلسلة حلقات دعوة للتعايش للاستاذ عمرو خالد لما فيها من دروس وعبر ومواعظ رائعه قد تفيدنا فى دعوتنا اللى الله وهى منقوله
ارجو انا تنال اعجابك
م

( الحلقة الأولى )

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلا بكم وسنبدأ برنامج جديد مستمر معنا حلقات كثيرة ربما حتى رمضان القادم، هذه هي الحلقة الأولى. البرنامج اسمه دعوة للتعايش، وهو يتحدث عن دعوة للتعايش والتفاهم والحوار، فأي مشكلة لابد من توصيفها أولاً، وفي هذه الحلقة سأخبركم لماذا اخترنا هذا الموضوع. نظرنا فيما حولنا، فوجدنا مشكلات كثيرة بيننا كمسلمين وداخل بلادنا، وبين بلادنا، كل هذا جعلنا نقدم دعوة للتعايش، وأول ما نتحدث عن دعوة للتعايش نتحدث عن أنفسنا وبلادنا وحالنا.
لماذا دعوة للتعايش؟
وجدنا العراق والآلاف يموتون، ولا أتحدث عن الاحتلال الآن، بل عن العراقيين بين بعضهم البعض، آلاف يقاتلون بعضهم، قتل بالهوية سني وشيعي، هذا البرنامج أيضا من أجل فلسطين، ولا أتحدث عن الاحتلال، بل عن الفلسطينيين وبين بعضهم البعض، الدماء التي أصبحت بيننا، الخلاف الذي أصبح بيننا، والعالم كله يشاهدنا، وأنا آسف أني أصور هذا البرنامج في اللحظات التي بها النزاع في فلسطين على أشده بين الفلسطينيين وبعضهم البعض، وأعلم أنه هناك أيدي خارجية وخبيثة في العراق وفي فلسطين حريصة إنها توقع بين الناس وتشعل الفتنة، لكننا في النهاية إذا تعلمنا نحيا سويا، ونتحدث سويا، ونتفاهم سويا، لن يحدث معنا كل هذا، لبنان الجميلة والتي يضرب بها المثل في تعدد الطوائف والذي يؤدي إلى ثراء لبنان.
عندما كنت أحيا في لبنان، كنت أذهب للمساجد في لبنان فأجدها أحلى مساجد دخلتها في العالم العربي وأنظفها وأجملها، وعندما سألت علمت أنه بسبب تعدد الطوائف، فكل طائفة حريصة إنها تمتلك أو يكون عندها أرقى وأجمل وأنظف شكل يعبر عنها، فقلت سبحان الله كأن اختلافهم يؤدي إلى ثراء لبنان كلها، لكن الآن اختلفوا وغالباً بسبب أيدي خفية خبيثة أوقعت بينهم، وأشعلت الفتنة بينهم، يا ليتهم عرفوا يحيوا سوياً ويتفاهموا سوياً، ويترفعوا عن الفتن الصغيرة.
كنت أظن دارفور فتنتها قتل ودماء والآلاف الذين يموتون، فتنة بين مسلمين وغير مسلمين، حتى فوجئت أن جميعهم مسلمين، والمفاجأة الأكبر أن دارفور هي أكبر جزء في السودان به حفظة قرآن، فعلمت أن هناك مشكلة في التفاهم في كل مكان في العالم العربي والإسلامي، ولا أتحدث عن العدو الخارجي أو الاحتلال الآن، ولا أتحدث عن الأخر، بل عن ما بيننا نحن بعضنا البعض وأننا لا نعرف كيف نحيا سوياً، ولا أتحدث عن برنامج سياسي، رغم حديثي عن المآسي في بلادنا، لكن موضوع التعايش والحوار، أبعد بكثير مما يحدث في العراق وفي لبنان وفي دارفور وفي فلسطين بين الفلسطينيين وبعضهم البعض.
بل هو بداخل بيوتنا، حتى الآباء والأبناء لا يوجد بينهم مساحة حوار، الأب لم يعد يتحدث مع ابنه، والأبناء أغلقوا على أنفسهم الحجرات ولا يحدثون أهلهم، أصبحنا بداخل البيت جزر منفصلة، وهذه التي أدت بعد ذلك للعراق وفلسطين ولبنان ودارفور، فنحن كمسلمين فقدنا ثقافة التحدث والتحاور سوياً، كل منا يحيا وحده بداخل البيوت، الابن مُغلِق حجرته على نفسه كأنه في جزيرة منفصلة والأب يعطي أوامر ولا يتحاور مع الأبناء، وليس فقط جيل الآباء والأبناء، بل حتى في المدرسة والجامعة لم يعد هناك حوار بين الأستاذ والتلميذ.. نحن فقدنا لغة التعايش بيننا، الأزواج والزوجات، الطلاق في ازدياد، والتعاسة في ازدياد، والحب في البيوت يقل، والعلاقات الزوجية فقدت التفاهم، والخلاف على أتفه الأسباب، وتجد الخصام والطلاق وتفرق العائلات وضياع الأبناء من أجل زرار قميص أو ملح زائد، حتى في الطريق في حادث سيارة بسيطة لا تكون البداية أن يتحدثوا سوياً، بل خلاف وربما بالأيدي.
المحاكم امتلأت بالمشاكل، آلاف القضايا لعدم قدرة الناس على التعايش سوياً والحديث سوياً، انظروا لجيل الشباب الذي لا يجد من يحدثه فبدأ ينعزل ويشرب المخدرات، ويتطرف، وينحرف انحرافات فكرية وسلوكية لأنه وحده، كل هذا التوصيف أريد منه أن يصل لكل من يسمعني أن هناك مشكلة كبيرة، بداية من البيت والشباب والأولاد مع آبائهم وأمهاتهم للمدرسة للجامعة للأزواج والزوجات، وكل هؤلاء أخاطبهم من خلال البرنامج.
ولست أتحدث عن وضع بلادنا في العراق وفلسطين فقط، بل والرجل وزوجته، والابن وأبوه، حتى المساجد نختلف مع بعضنا على أدق وأبسط الأمور وتتحول لقضية كبيرة وكراهية بيننا، لعدم قدرتنا على أن نقبل بعضنا وخلافات في الفروع ليست في ثوابت الإسلام، وتصل لسباب وتجريح ونعطي قدوة بالمساجد التي هي رمز التآلف وبُنيت لجمع الناس وشمل المسلمين، حتى بداخل العمارات انظروا لاتحادات الملاك الآن وخلافاتهم، حتى الجيران الساكنين بجانب بعضهم البعض.. نحن فقدنا لغة الحوار والتعايش سوياً. دعوة للتعايش..هيا نحيا سوياً، ونتحدث سوياً، وهذا هو موضوع البرنامج.
فهو لا يتحدث عن قضايا سياسية بل يمس كل إنسان منا ، فهو بداخل البيوت والشباب، وبداخل مصانعنا وشركاتنا وجامعتنا والبحث العلمي، كيف نعمل سوياً، فكرة فريق العمل و العمل الجماعي فكرة منعدمة، فنحن لا نعرف كيف نعمل سوياً، ففي بلد مثل نيوزيلندا تجد شركة يديرها الجيل السابع من الأبناء، تخيل! وهذا يعني أن الجد السابع قد أسس الشركة والتي أخذت تنموا وتتناقل للجيل السابع، أما نحن فالأب يموت وقد أقام شركة في يوم ما ثم يموت فيختلف الأخوة ويقسموا الشركة إلى ستين مصنع وتتفتت الشركة، أما الشركات في أوروبا الآن فتندمج مع الشركات الكبرى لمزيد من القوة، ونحن نتفتت، فليست لدينا هذه الثقافة.
يتحدث البرنامج أن فكرة الحوار والتعايش غير موجودة حتى في المدرسة، ولا توجد مادة في المدارس تسمى مادة التعايش أو فن الحوار والاتصال، ولا في الجامعة، كيف نتعامل مع الآخرين ونكسبهم، كيف أوجد مساحة مشتركة بيني وبين الآخرين، كيف أتعامل مع الناس، وكيف أتعايش.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:03 pm

باقى الحلقه الاولى
لا أعلم خطبة جمعة تحدثت في الموضوع، ولا أعرف آباء وأمهات يقصون على أولادهم قصة قبل النوم كيف يتعايشوا ويتحاوروا سوياً، لا أعرف ألعاب موجودة في بلادنا تُعلِّم العمل الجماعي كالبلاد الأخرى، ولا كيف الأطفال يلعبون لعبة جماعية، نحن فاقدين لهذه الثقافة، رغم أن ديننا ممتلئ بها، كما سأخبركم في بقية الحلقة، والمشكلة وصلت حتى للمسلمين في الغرب. المواطن الغربي منذ مائة عام إذا أراد معرفة معلومة عن الإسلام، بصرف النظر سيسلم أم لا، ولم تكن هناك إنترنت، ولا فضائيات، ولا مسلمين في الغرب، فكان يأتي بها من أناس يسمون بالمستشرقين.
المستشرقين أناس درسوا الإسلام وعادوا للغرب يحكون له عن الإسلام، لكن للأسف أغلب المستشرقين تحدثوا عن الإسلام خطأ، وعرضوا الإسلام بأنه انتشر بالسيف، فخاف المواطن الغربي من الإسلام وظللنا هكذا سنين طويلة حتى أصبح المسلمين بالآلاف بل بالملايين ذهبوا وعاشوا في الغرب، فحمدنا الله لأن الصورة عن الإسلام ستتحسن وسيُحترم الإسلام وسيعرف الغرب الإسلام من مصادره الحقيقية لأنه لن يحتاج للمستشرقين لأن جاره مسلم يسكن بجانبه، لكن للأسف حتى هذه لم تحدث.. انعزل المسلمين في الغرب على أنفسهم، وانغلقوا، ولم يتعايشوا مع المجتمع حتى يحترم الإسلام، ويعرف الصورة الحقيقية للإسلام. هؤلاء نحدثهم من خلال البرنامج، المسلمين في الغرب، كيف تندمج في المجتمع الغربي بدون ما تفقد إسلامك أو هويتك مع الاعتزاز والافتخار أنك مسلم.
البرنامج يُحدث كل هؤلاء، يقول لإخواننا بالعراق وفلسطين عيباً وكفى دماء، ويقول للأزواج والزوجات تحدثوا سوياً وسنساعدكم في هذا البرنامج. ويقول كيف نتعلم فن الحوار مع بعضنا كأزواج، ويقول للشباب كيف تتحدث مع أبوك وأمك، ويقول للأهالي كيف تسمعوا لأولادكم. البرنامج يُعلم الناس في الشركات والمصانع، كيف نصبح متعايشين مع بعضنا البعض، كيف أوجد معك مساحة مشتركة، كيف نعمل سوياً، وسنضرب الأمثلة على ذلك، وسأعطيكم فكرة البرنامج ولماذا نقدمه، فالبرنامج ليس موجه فقط لمن لديهم خلافات ومشكلات، لكن يُحدث عموم شبابنا، فأي شاب يريد أن ينجح في الحياة هناك مهارة أساسية لابد من تعلمها تسمى فن التعامل مع الناس ومع الأخر، وكيف إذا كان لدي دائرتي وفكري، ولديك دائرتك وفكرك ، وإذا ظللنا على بُعد ستبقى الدائرتان بعيدتين، وكيف لأنجح لابد من أن أبحث عن مساحة مشتركة في المنتصف بيني وبينك وستبقى في دائرتي جزئية أنت غير موافق عليها، وستظل جزئية في دائرتك أنا غير موافق عليها، لكن ستبقى أيضا منطقة في المنتصف نظل نتوسع فيها، ونكسب فيها نحن الاثنان.
هناك كلمة جميلة سنتعلمها في البرنامج، أحد العلماء الذين سنراهم بعد قليل يقول: الآن استطعت أن أرى بوضوح لأني صعدت على أكتاف الجميع يوم استمعت لآراء الجميع، فالبرنامج سيعلمك أداة من أدوات النجاح في الحياة، هي كيف نتعايش مع بعضنا البعض، فالمشكلة أنه هناك دماء وهناك خسائر وبلاد تضيع وأمهات تفقد أولادها، وأزواج وزوجات يطلقون ومحاكم، هناك شباب ضائع وهناك شباب يريد النجاح ولا يملك أدوات النجاح، فأتينا نقول دعوة للتعايش.
ما هو هدف البرنامج؟
هدف البرنامج شيئين: الأول غرس فكرة التعايش، والقدرة على التعامل مع الناس، والانفتاح على الناس والتفاهم معهم والتحاور معهم، غرس فكرة التعايش في قلب وعقل كل مسلم. الهدف الثاني هو مساعدتك من خلال هذا البرنامج، نعطيك المهارات الأساسية، وكأنك تأخذ تدريب، كيف أتعايش مع الأخر، وكيف تكسب الناس، إذا فعلت كذا ابنك يقترب منك، إذا فعلتي كذا تتفاهمي مع زوجك، سنعطي الأدوات التي سيفتح بها الله علينا من خلال المادة الموجودة معنا، وتفهم كيف تبحث عن مساحة مشتركة بينك وبين الناس، ولا يكون هناك بُعد.
ستبحث على طريقة لتخلق مساحة مشتركة بنية التقارب وبنية التآلف مع جارك أو زميلك في العمل، سنتفق في الحلقة الأولى على مصطلحات، فعندما أقول كلمة الأخر، الناس تعتقد إني أتحدث عن الغرب، وأنا أقول لكم أن علماء النفس أقروا أنه أول ما يُفطم الطفل، يصرخ لانفصاله عن الأم، معنويا وجسديا ونفسيا، ثم يسكن صراخه لأن هذه أول مرة يتعايش مع الإطار من حوله ويبدأ يتعايش مع أمه بطريقة جديدة، فالتعايش في علم النفس يبدأ مع الأخر الذي هو الأم حتى الأم أخر في علم النفس. والقرآن الحقيقة عندما تحدث عن الأخر، تحدث عنه في أمر غريب جداً وهو بين الأخوات، وأنا أريد سؤالكم سؤالاً، هل يعرف أحد ما هو أول درس علمه الله للبشرية؟ هو كان درس التعايش، ستنزلون الأرض ولابد أن تتعلموا تعيشوا مع الأخر، ابنيّ آدم عندما نزلوا إلى الأرض.
الآية تقول : {...تُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ...} ( المائدة : 27)، {...إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ... }، كلمة الأخر جاءت في القرآن رغم إنهم أخوين، لكن اعتبر الثاني أخر لأنهم مختلفين عن بعضهم البعض في التفكير، قال: {...لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } الأول رفض التعايش وحسد الثاني والثاني قال : {...إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، لا تحسدني طالما هي نعمة من الله تبارك وتعالى، وكوني لدي بترول في أرضي فهذه نعمة من الله تبارك وتعالى، لا تحسدني عليها وترفض التعايش وتحاول أخذها ثم تطالبني بالتعايش، { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }، الآيات تحكي عن أول علاقة أخوين من أم واحدة وعائلة واحدة، من جنس واحد من لون واحد من دين واحد ولم يعرفوا يتعايشوا سوياً وقتل أحدهم الأخر.. كأن أول درس للبشرية انزلوا للأرض، لكن لابد وأن تتعلموا كيف تعيشوا سوياً. ولقد أتيت اليوم لأقول لكم أن أول درس للبشرية وأول فطام الطفل، هو قضية التعايش.
ولم أجئ لأتكلم في موضوع ترف بل في ألف باء الوجود وألف باء الحياة، كيف نتعايش مع بعضنا البعض في الحياة بداية من يوم ما تولد وكل من هو مختلف عنك هو أخر، كيف إذن تتعايش بداية من أبوك وأمك فهم أخر، حتى زوجتك وابنك وأخوك، حتى العراق وحتى فلسطين، وهذا هو معنى دعوة للتعايش، واعلموا أن المتعايش قادر على التفاهم مع الناس والتحاور معهم وهو واثق من نفسه، إنسان قوي ومنفتح وحضاري، أما الغير قادر على التحاور مع الناس هو إنسان ضعيف ومهزوزة ثقته في نفسه، ولذلك لأن الإسلام دين قوي جداً ومنفتح على العالم وصاحب رسالة عالمية ينفتح على الثقافات الأخرى ويتعامل مع الثقافات الأخرى لأنه قوي وغير مهزوز ولأنه بما فيه من عناصر القوة محافظ على هويته وفي نفس الوقت منفتح على الآخرين، سامحوني فحلقة المقدمة دائما تكون بها الأساسيات التي سنتفق عليها طوال البرنامج.معنى التعايش..
هناك نقطة هامة جداً لابد أن أقولها وهي أنه ليس معنى التعايش إنك تفقد نفسك أو تفقد شخصيتك ولا أريد أن يعتقد أحد إني أتيت لأتحدث في هذا البرنامج من أجل أن نُميِّع شخصيات شبابنا ويصبحوا بلا شخصية.. فليس معنى التعايش أن أذوب. أعلم إنك ستقول كيف سأنفتح وأتعامل مع الناس بدون أن أفقد شخصيتي، ليس معنى التعايش للمسلمين في الغرب إنك تفقد إيمانك وتفقد هويتك الإسلامية وتقول أنا تعايشت مع الغرب.. لا، إن معنى كلمة تعايش إنه هناك طرفين، فإذا أصبحوا طرف واحد فلن يكون هناك معنى للتعايش ، فإذا ذابوا لن يكون هناك تعايش، وبالتالي لا يصلح أن يفرض الغرب ثقافته علي، ثم يقول لي نتعايش. لا يصلح أن تجعل شبابنا نسخة من ثقافة أخرى وهي ثقافة الغرب وبالقوة وهم مختلفين ثم تقول لي نتعايش، لا يصلح أن تحتل أرضي ثم تقول لي نتعايش.
فلا أريد أن يفهم أحد هذا البرنامج خطأ، فأنا أدعو للتعايش لكن التعايش ليس هو الذوبان، بل يعني أنه هناك طرفين يحترموا بعضهم البعض ويتعاملوا مع بعضهم البعض، هذه النقطة لابد وأن تكون واضحة جداً حتى لا يزايد أحد على الكلام الذي أقوله، فنعم نريد التعايش وديننا يأمرنا به وهو أول درس للبشرية.. ونريد أن نعلم شبابنا مهارات التعايش وهذا هو هدف البرنامج، وأيضاً كيف نتعامل ونعمل سوياً، كيف نقبل بعضنا البعض ونحترم بعضنا البعض، لكن ليس معنى هذا أن أفقد شخصيتي، وليس معناه أن يقول الغرب هي فرصة إنهم يتحدثوا عن التعايش، فيقولون هيا تعايشوا معنا لكن سنحتل أرضكم وتفقدوا شخصيتكم والأجيال التي ستخرج تكون مطموسة وليست لديهم هوية.. أقول لا، بل أنا سأتعايش وجذوري ثابتة في الأرض، سأتعايش ولن أذوب لأني معتز بإسلامي ومعتز بإيماني ومعتز بشخصيتي.
ولهذا سيكون البرنامج كله يحكي لنا قصص التعايش من تاريخنا، ولماذا من تاريخنا؟ لأقول للشباب انظر هويتك عظيمة، انظر إسلامك عظيم، تعايش وجذرك ثابت في الأرض، فلا أريد أن يزايد أحد على كلامي أو يقول أن دعوة للتعايش هي أن نفقد قيمنا، لا.. إن هذا عكس ما أريد قوله، وأنا أقول أني صاحب رسالة عالمية أنفتح على العالم كله وأنا معتز بشخصيتي، وهذا ليس كلامي.. النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويقول لنا: (( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه ))، ويخالط في معنى البرنامج هي التعايش، والذي لا يخالط الناس هو الذي أغلق على نفسه ثم يقول الحمد لله لم يقترب مني أحد.. ليس هذا الأحسن، بل الأحسن هو الذي يخالط ويصبر.
ويصبر على آذاهم تتضمن إنهم يريدون أن يفقدوه شخصيته، لا.. بل تمسَّك بشخصيتك لكن في نفس الوقت قل أنا قادر أن أتعايش معك وأتفاهم معك وأوجد مساحة مشتركة بيني وبينك رغم أني مختلف معك. إذا اتفقنا على هذا الكلام فهيا نتنقل للنقطة الثالثة وهي: قيمة التعايش في الإسلام، وماذا يقول في التعايش.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:04 pm

تتمة الحلقة الاولى

قيمة التعايش في الإسلام..
في الحقيقة هو كلام جميل جدا أحب أن تعرفوه وتفتخروا أن الإسلام هو الذي يقول ذلك، فما هو الذي يعلمه لنا الإسلام؟ أنه لا يجد عيباً في أن نكون مختلفين، وهذه النقطة على بساطتها فالكثير من المسلمين غير مُتخيليها، وهو أنه لا يمكن أن يكونوا مختلفين، وأنه بالتأكيد نفسه على صواب والأخر على خطأ وغير مقبول أن يكون هناك أخر، ودائماً هو مقبول والأخر مرفوض، وقبل ما يبدءوا الكلام تجد الفكرة التي في عقله أنه رافض الأخر وأنه على الصواب دائماً.
أريد أن أقول أن فكرة الإسلام في الأصل قائمة على أن نكون مختلفين عن بعضنا البعض وهي سنة كونية وطبيعة من طبيعة البشر.. لماذا؟ لأن أعظم ما خلق الله تعالى هو العقل، فلا يصلح أن تكون العقول كلها عقل واحد، لابد أن تكون مختلفة عن بعضها البعض، فلأن العقول مختلفة عن بعضها، ولهذا فالإسلام قَبَل أن نكون مختلفين، فكيف تقبل أنت أن تكون الناس مختلفة في أشكالها، ولا تقبل أن يكونوا مختلفين في طريقة تفكيرهم، أنا أقول هذا الكلام حتى للأب وابنه، فابنك لابد أن يكون مختلف عنك، وليس شرطاً أن يكون مثلك تماماً، هذا وكأنك تتخيل أن تنزل للشارع فتجد كل الناس شبيهة بك، فأنت تريد ابنك شبهك وابنتك شبهك وزوجتك شبهك وجارك شبهك، هل أنتم متخيلين!!
تجد الرجل في المسجد على مذهب من المذاهب وهو مؤمن به فيريد كل الناس تسير على نفس الفكرة وتؤمن بنفس الفكرة وتقتنع بنفس الفكرة، وهذا غير ممكن. أنت وزوجتك مختلفين الطباع، وأنت لا تقبل ذلك وهذا هو الأصل أن تكونوا مختلفين، إذا آمنت بهذه النقطة وبمجرد قبولك للفكرة فذلك هو الحل لنصف المشكلة، فأنت وزميلك في الكلية مثلاً إذا قبلت اختلافه عنك وصادقته، بمجرد قبولك للفكرة فهذا نصف الطريق، أما الإسلام فيقول لك الأكبر من ذلك، يقول لك ليس كافي أن تكونوا مختلفين فقط بل إن هذا الاختلاف غِنى، وهو ثراء للحياة، أن تكونوا مختلفين عن بعضكم البعض هو مكسب للدنيا وللأرض، وإن عدم الاختلاف فقر، متخيل! هذه وجهة نظر الإسلام، تريد أن تعرف من أين أتيت بهذا الكلام؟
اسمع القرآن، القرآن يقول أن اختلافنا عن بعضنا البعض غنى وثراء، هل تعلمون ما أنا أحاول فعله في البرنامج الآن؟ أقنعك أنك إذا وجدت من هو مختلف عنك لابد من أن تفرح، لكي تستكمل منه ما ينقصك، ويستكمل منك ما ينقصه، انظر لما تقوله الآية: {... وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... }( الحجرات:13)، وكان ممكن أن يجعلنا الله تعالى شعب واحد وقبيلة واحدة، وكأن الآية تعترف بتعدد الجنسيات وتعدد اللهجات وتعدد الأفكار وتعدد القوميات وتعدد العرقيات، كل هذا مقبول، وكأن الآية تقول وجعلناكم شعوباً وقبائل ونريد أن نوجه هذا الاختلاف في الاتجاه الإيجابي، فكأن وجعلناكم شعوبا وقبائل سنة كونية أن لابد من أن نكون مختلفين، لماذا ؟ لتعارفوا.. وكلمة لتعارفوا كلمة واسعة في اللغة العربية، فهي تعني: تتبادلوا المنافع، تتفاهموا، تستفيدوا من أفكار بعضكم البعض، تلاقح الأفكار مقبول، تبادل المنفعة الاقتصادية مقبول.
فهذه إذن حكمة الكون.. لماذا خلق الله الأرض؟ أنسيتم حكمة الخلق؟ إعمار الأرض وإصلاح الأرض. وكيف تُعمَّر ونحن غير مختلفين عن بعضنا البعض لنتبادل الثقافات والأفكار والمنافع؟ فأضحى الاختلاف هو الهدف من الخلق لتُعمَّر الأرض، فإذا كنا شكل واحد لأضحت الأرض فقيرة جداً، أرأيتم عظمة الآية؟! جعلناكم أجناس مختلفة لكي تتعرفوا على بعضكم البعض فتتبادلوا المنافع. وكلمات مثل لتعارفوا موجودة بكثرة في آيات القرآن مثل: {...وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ...}( المائدة:2)، والمقصود أن تتبادلوا الاستفادة والتعامل سوياً، وليست الآية على المسلمين فقط، بل تعاونوا كل العالم وكل الجنسيات وكل الأديان.
تعالوا نتعاون في حرب مقاومة المخدرات، ونستفيد من خبرات بعضنا البعض بأن نقاوم المخدرات، أو أنفلونزا الطيور.. أرأيتم حكمة الخلق! لكن في نفس الوقت بقية الآية: {...وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... } تحتل أرضي وتقول لي نتعاون ونتعايش؟! لا، لكن نتعاون على البر فهذه لكل البشر في العالم، أرأيتم المفهوم الإسلامي والفكرة؟ ولذلك انظروا.. متى ازدهرت حضارة الإسلام؟ عندما دخله جنسيات مختلفة، ففُتحت مصر والشام والعراق، وخرجت الدعوة من الجزيرة واختلطت بجنسيات وأراضي والجمهوريات السوفيتية، فدخلوا في الإسلام وحدث تلاقح فخرجت حضارة ضخمة، أرأيت كيف أن الآية معنا في التاريخ؟ لولا المسلمين في الأندلس لم تكن أوروبا أضحت أوروبا، أمريكة الحالية لولا إن فيها جنسيات مختلفة انصهرت لم تكن ستضحي أمريكا في الوضع التي هي فيه.
أنا أتحدى أن يُخرج لي أحدهم دستور من الدساتير لأي دولة أوروبية تقول يا أمة هناك شعوب أخرى اذهبي للتعرف عليها ليصبح وضعك أحسن، أنا أتحدى أن يكون هناك دستور غير القرآن قال وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.. فيا غرب لا تزايد علينا وتقول أنك مخترع التعايش، فالتعايش وقبول الاختلاف هو ألف باء قرآننا، وهو أول دستور تكلم في أن نتعارف ونتبادل المنافع في البر والتقوى وليس في الإثم والعدوان، وليس أن تفرض ثقافتك علي أو تأخذ أرضي. ولا أعلم لماذا هذه الآية ليست منتشرة بيننا ولا نسمعها كثيرا أو نتحدث فيها، وهي: { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ... } (هود:118) الآية واضحة، فلو شاء الله لم يجعلهم مختلفين، وبقيتها: {...وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } وكأن الله تعالى يقول لنا لابد أن يظلوا مختلفين وكأنها سُنة كونية وبقية الآية: { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ...}( هود:119) فكيف رحمهم؟ رحمهم بأن جعل هذا الاختلاف يوجه في اتجاه إيجابي للتبادل والمنفعة.
كأن الآية بتقول أن التعايش أو اختلافنا عن بعضنا البعض ممكن يكون أمر صحي حين يتحول لتبادل وممكن تكون حالة مرضية عندما تصبح بلادنا في الحالة التي هي عليها الآن، انظر بقية الآية: {...وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ... } أي للاختلاف. انظر لقول الله تبارك وتعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } ( الروم:22) هذه آية من آيات الله تعالى.. أنكم مختلفين عن بعضكم في اللهجات والألسنة واللغات وبالتالي الثقافات، إنها آية خطيرة، كأن الإسلام يقول لنا أن الله تعالى هو الذي أراد الاختلاف، وكأن الذي يريد أن لا تكون الناس مختلفة عنه لم يفهم حكمة الله في الكون، فالاختلاف يزيد الأرض منفعة وتعاون وخير والاختلاف ثراء، أيمكنك أن تبدأ النظر إلى أن اختلافك عن جيل أولادك ثراء لك ولهم؟ أيمكنك أن تبدأ تنظر إلى اختلافكم في العراق واختلافكم في لبنان كثراء، وأن اختلافك عن جيرانك كيف تستفيد منه لصالح العمارة؟.
البرنامج يقول لك ابدأ فكر بهذه الطريقة، ولذلك يقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر))، يضرب لك النبي المثل بجسدك حتى أصابع يدك مختلفين عن بعضهم فلا يوجد إصبع مثل الأخر، الجسد.. أعضاء مختلفة، مهام مختلفة، وظائف مختلفة، أدوار مختلفة، ومع ذلك حين تكاملوا مع بعضهم البعض كانت النتيجة أن أصبح الجسد متكامل وهكذا الدنيا وهكذا هي النظرة للاختلاف، وهكذا يريدنا النبي كمسلمين، فهل نحن كما يريدنا؟ مختلفين فنتكامل فحياتنا تصبح أحلى؟ هذا البرنامج أتى لكي نتفق على هذه الفكرة، لنحقق حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وننفذ هذه الفكرة، أعضاء مختلفة، أفكار مختلفة، وظائف مختلفة، أدوار مختلفة، نتكامل سوياً فينتج جسد واحد، فهل ممكن نصبح هكذا؟ إن شاء الله، وسننتج شباب وبنات يتحركوا بهذه الطريقة.
عندما ترى نظرة الإسلام لقضية التعايش وللتفاهم والحوار، والقرآن في الأصل كتاب مليء بالحوار، وعندما تعيش مع آياته وتنظر فيها، تجد الحوار سائد بين الأنبياء وأقوامهم.. سيدنا موسى عليه السلام وحواره مع قومه، والنبي صلى الله عليه وسلم وحواره مع قومه، حوار الابن مع الأب سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام وقضية الذبح، حوار اثنان رؤساء سياسيون مع بعضهم سيدنا سليمان عليه السلام وبلقيس، حوار يوسف عليه السلام مع إخوته وحوار يوسف مع قومه.. الأصل في القرآن الحوار وليس ذلك فقط بل القرآن يعرض حتى آراء المخالفين، انظر إلى كلمة {وَقَالُواْ }..على الدوام تجدها في القرآن، ثم يعرض شبهاتهم، وتجد أوائل سورة البقرة تعرض منهج الإسلام حتى تصل لآية الكرسي، فتعرض عقيدة الإسلام بشكل واضح.
{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ... } ( البقرة :255 ) تجد بعدها مباشرة الآية: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...} ( البقرة :256 ) فهو دين يتعايش مع كل ما حوله بعد ما عرض المنهج { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } ( الكهف : 29 ) فكل إنسان يختار ما يريد بعد ما عُرض عليهم الأمر بمنتهى الوضوح، فلن تجد مثل الإسلام والقرآن، وبهذا الوضوح يحدث الآخرين عن كيفية وجود مساحة مشتركة، وانظر للآية: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ... } (آل عمران :64 ) فما هي المساحة المشتركة بيننا وبين أهل الكتاب؟ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً... } ألسنا نعبد الله نحن الاثنان؟ لكن بشرط بقية الآية: {...وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً... } فلا تفرض علي قهراً أو تجبرني سواء على آراء أو على ثقافة.
هيا نبحث عن المساحة المشتركة بيننا وبينكم، ونشاهد القرآن عندما يكلم الآخرين وتجد آية جميلة جدا تحدث الغير مسلمين تقول: {...وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ( سبأ :24 ) المفترض أن يقول وإنا على هدى وأنتم في ضلال مبين! لكن انظر لمساحة الحوار وكيفية عرضها، هيا نتحاور وبالتأكيد أحدنا مخطئ والثاني على صواب، فيبدأ معهم بهذه الطريقة التي بها حوار، وكأن تعالوا نسمع الرأي والرأي الأخر، ويقول هذا للكفار فما بالكم بالمسلمين بينهم وبين بعض؟!، وانظر لهذه الآية وهي أعظم آية تحدثك عن التعايش: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء... } ( النساء :1) تقول الآية أنتم من أصل واحد، وحدة الأصل الإنساني، أنتم أصلكم آدم وحواء، فهل يوجد كلام أكثر من هذا عن التعايش؟!
والأكثر والأجمل من هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أول ما يصل المدينة كل ما فعله له علاقة بالتعايش، في أول دخوله المدينة يقول: (( أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)) فالمدينة كان كلها قبائل متناحرة.. الأوس والخزرج، فيقول لهم ما يخلق تعايش بينهم وبين بعضهم البعض، ثم يؤاخي بين المهاجرين والأنصار، ثم يبني المسجد وهو المكان اللي سيأتلف فيه المجتمع، وبعدما كان اسمها يثرب فمُنتمية لقبائل معينة يسميها المدينة، لأنه إذا سماها مثلا دار الهجرة ستكون خاصة بالمهاجرين وإذا سماها يثرب ستكون خاصة بالأوس والخزرج.
ولم يسميها الدولة القرآنية فستصبح خاصة بالمؤمنين وحدهم! أسماها المدينة اسم جامع لنعيش بها كلنا، وعمل الصحيفة يُحدث فيها اليهود والمشركين ويُحدث فيها المؤمنين والمهاجرين والأنصار، كلنا نعيش مع بعضنا البعض في هذا المكان. أنا لم أعرف قبل الصحيفة دستور كالذي عمله النبي في المدينة، ولا أعرف فكرة للتعايش عرضها الإسلام أقوى من هذه ولا أعظم من هذه.
أريد أن أقول في النهاية، الناس التي تخاف من الإسلام والذين يقولون لا نريد الدين في المدارس للأولاد حتى لا يتطرفوا ويصبحوا إرهابيين، بل أنا أقول العكس، أقول أريد تربية الأولاد على الإيمان وأعرفهم بالإسلام ليكونوا متعايشين، أتخافون من الأفكار المتطرفة؟ إذن علموا الأولاد الإسلام الصحيح لكي يكبر متحصن ويصبح مؤمن بحق فسيجد أن الإيمان كله يقول له تعايَش، لكن إذا أردتم إبعاد الشباب عن فهم الإسلام والإيمان الذي يدعوه للتعايش سيخرج ذائب ويفقد هويته، وهذا لن يكون تعايش بل هو فرض ثقافة.
نيتي في البرنامج هو قول الله تبارك وتعالى: {...فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ...} ( الأنفال :1)، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( ألا أدلكم على درجة أعظم من الصيام والقيام والصدقة؟ فقالوا : ما ذلك يا رسول الله؟ قال: إصلاح ذات البين )) أصلحوا ما بينكم وبين بعضكم البعض، والنية في هذا البرنامج: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ...} ( الحجرات : 10 ) فمن سيأخذ هذه النية معي في هذا البرنامج؟ ومن سيكون مؤمن أن الإسلام هو دين كله تعايش ومن سيكون مؤمن أن هناك مشكلة حقيقية وأننا لا نعرف كيف نتحاور؟ فخذوا النية وجمعوا الناس وألفّوا بين قلوبهم.
ثم قال النبي: (( ألا إن فساد ذات البين هي الحالقة )) قالوا :ما ذلك يا رسول الله؟ قال: (( لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين )) تقطيع العلاقات والأقارب والجيران والأزواج والبيوت والأبناء والعمل، في العراق.. الفتنة.. الأيادي الخبيثة التي تفرق في لبنان والعراق وفلسطين، حتى في مساجدنا وفي مدارسنا وفي بيوتنا.. ديننا يؤخذ منّا لأننا نفقد الثقة حتى في أنفسنا ولا نجد من نحدثه فنفهم فهم صحيح وينصلح حال شبابنا بدلاً من أن ينحرف في المخدرات لأنه لا يجد من يحدثه أو يتفاهم معه.
فإذا أردتم المحافظة على الشباب من التطرف فعلموهم الإسلام الصحيح الذي يدعوهم ليتعايشوا وهم محتفظين بهويتهم، لأن الإسلام كما يقول لك تعايش، يقول لك حافظ على هويتك {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ... } ( آل عمران : 110)، أنا فخور أننا خير أمة أُخرجت للناس، لكن في نفس الوقت أنا قادر على التفاهم مع الأخر وهذا هو ما نريد قوله في البرنامج.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:05 pm

تتمة الحلقة الاولى

علاقة التعايش بالنهضة..
نقطتين أخيرتان أريد أن أختم بهما هذه الحلقة، الأولى: علاقة هذا الموضوع بالنهضة، فكيف سننهض ونحن لا نعرف كيف نتعايش مع بعضنا؟! حتى إذا حدثت نهضة ونحن لا نعرف كيف نتعايش مع بعضنا البعض ستكون كارثة! فنحن الآن مواردنا قليلة وأموالنا قليلة، فما بالكم إذا حدثت نهضة ونحن لا نعرف كيف نتعايش!! سيحدث ذبح ودماء، وقد تكون رحمة من الله أن تتأخر النهضة حتى نعرف كيف نتحاور في مساجدنا وفي مجتمعاتنا وفي بيوتنا مع بعضنا البعض، فتأتي النهضة على أناس لديهم أدب الحوار وأدب التعايش فينجحوا أكثر، وبالتالي فأنا لم أترك الموضوع.. تحدثنا عنه في صُناع الحياة من زاوية، وتحدثنا في الإيمانيات من زاوية، واليوم نتحدث في زاوية ثالثة كيف يكون لدينا تصور عن التعايش سوياً ومع الأخر، وستكون أساس نظرتنا للتعايش نظرة قادمة من قيمنا وإسلامنا فنحن نريد أن نتعايش لكن نريد أن نستقي التعايش من مواردنا وتاريخنا وإسلامنا ولهذا في الحلقات القادمة سنحكي قصص. سنعود للقصص التي ستفهمنا كيف نتعايش مع بعضنا البعض وكيف عندما نختلف نتعايش مع بعضنا البعض، والذي سيعطينا مهارات، وكيف أبني مساحات مشتركة مع الآخرين، كل الحلقات القادمة قصص وحلقة اليوم فقط هي المقدمة.
ستعلمك القصص القادمة كيف تتعايش وكيف تأخذ من مواردنا نحن، ، فإذا أردت بناء نهضة فلماذا لا أبنيها على البناء الذي بناه أجدادنا، لماذا أهدم الموجود؟! سأقص عليكم قصة لطيفة.. كانت هناك مركب في البحر في منطقة بين التقاء البحر والنهر والصيادين في المركب المياه نفذت منهم وأرادوا الحصول على مياه عذبة وهم في وسط البحر ولم يلاحظوا أنهم في منطقة التقاء البحر مع النهر وتحتهم مياه عذبة، فأشاروا لسفينة قادمة من بلد غربية بعيدة، يقولون لهم أرسلوا لنا مياه، فقبطان السفينة الغربية قال لهم أنتم تطلبون منا نحن؟! المياه العذبة تحتكم!! وأنا أقول نفس الفكرة.. المياه العذبة عندنا، المياه العذبة في تاريخنا.
ولهذا ستفاجئوا بالقصص التي سنحكيها والسعة الكبيرة التي في إسلامنا.. فتاريخنا كله تعايش ورحمة. أناس حضاريون، رقيّ.. ستفاجئوا في الحلقات القادمة بهذا الكم الرهيب من الناس التي تتقبل بعضها البعض وتحب بعضها وتحترم بعضها ومختلفة مع بعضها البعض. فأنا أقول لكم هذا الكلام لأننا نريد بناء نهضة، والنهضة نريد بنائها من تاريخنا، ولا يوجد مانع من أن نأخذ من الآخرين ولكن أبنيها في الأصل على تاريخي، فلم أجئ لأخذها من الغرب بل جئت لأقول للغرب تعلم منّا التعايش.
ولماذا أفردنا للتعايش برنامج وحده؟ لماذا لم يكن بداخل صناع الحياة؟ لأن بمنتهى الوضوح هناك من يقود العالم الآن ويريد أخذه للصراع وأن يعيده للحروب الصليبية ويعيده للصراع حتى تُباع الأسلحة ولأنه هناك سماسرة أسلحة يريدون الاتجار بالعالم كله للصراع، فكان لابد أن ننظر لأنفسنا أننا أصحاب رسالة عالمية، وأن نرد ونقول أن الإسلام يقول كذا وأن من يريدون أن يجروا العالم للحروب الصليبية آن الوقت ليعرفوا أن هذا الدين ضد الذوبان وأنهم لن يفرضوا ثقافتهم علينا لكن في نفس الوقت هذا الدين عظيم وهو قادر على التفاعل مع العالم كله، وقدمنا لنضع بديل للصراع ونعرض هذا المعنى ونعرض هذا الإسلام العظيم في التوقيت.
هناك كتاب اسمه موت الغرب، الكتاب يقول إن الغرب أصبح لا يُكوِّن أُسر، أصبح لا يتكاثر ولا يتوالد، وإنه سيموت، وبحكم التعداد سيحل محله الأجناس الأخرى خاصة المسلمين المهتمين بالأسرة والزواج والإنجاب، فغير معقول أن يعرف العالم كله هذا الكلام ويكون وضعنا نحن منغلقين على أنفسنا ولا نريد عرض ما عندنا من شيء جميل للعالم! كيف وأول آية في القرآن: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ... } ( الفاتحة :2) وآخر آية في القرآن { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } ( الناس :1)، فأول آية ليست يا أيها الذين آمنوا، فهو كتاب عالمي، أول آية فيه تكلم العالمين وآخر آية فيه تكلم الناس كل الناس.. أنت متخيل كيف لابد لنا أن ننظر لأنفسنا!، فلا ننغلق بل ننفتح وننظر كيف نتعايش، لكن دون الذوبان ودون ما أفقد إسلامي.
هذه فكرة البرنامج ولكن كيف سنطبق هذا الكلام النظري الصعب؟ نحن من الحلقة القادمة سنبدأ نحكي قصة الأئمة الأربعة: الإمام الشافعي، الإمام أبو حنيفة، الإمام مالك، الإمام أحمد بن حنبل، لكن لن نعرضها من منظور فقهي، بل سنعرضها في شكل أخر، سنشاهد حياتهم وكيف اختلفوا سوياً، وكيف يكون فن الحوار عند أبو حنيفة وكيف أنشأ مدرسة مشتركة، وكيف أن الإمام الشافعي قادر أن يتعايش مع أي إنسان ويخلق منطقة مشتركة بينه وبين الآخرين. كيف اختلف الأئمة الأربعة وفي نفس الوقت احترموا بعضهم البعض، سنأخذ حوالي أربع حلقات لنحكي قصة كل إمام، وأثناء القصة سأقول لك تعلم مهارات التعايش وشاهد تاريخنا، ونقول للغرب الذي سيسمع نفس الحلقات انظر لتاريخ المسلمين كيف هو ممتلئ بالعظمة، وهذا ما سنعرضه في الحلقات القادمة بإذن الله.
انتهت الحلقة والتي تحدثت في أربع نقاط: النقطة الأولى كانت إن هناك مشكلة في بلادنا ولهذا قدمنا هذا البرنامج، النقطة الثانية ماذا يعني التعايش، النقطة الثالثة قيمة التعايش في الإسلام وأن الإسلام احترم أن نكون مختلفين وإن اختلافنا ثراء وغنى، النقطة الرابعة والأخيرة ما علاقة الموضوع بالنهضة وكيف سنكمل الحلقات.
التعايش سيكون متداخل كقصة بداخل قصة الأئمة الأربعة مرتبطين سوياً ومتشابكين في بعضهم البعض، سنحكي قصة ليفهمها الجميع، سيفهمها البنات وربات البيوت ويقولون عرفنا قصة الإمام الشافعي وتعلمنا نتعامل مع الناس، تعلمنا من مالك كيف كان يتعامل مع أمه، وتعلمنا من الشافعي وأمه وكيف كانوا يتعاملون سوياً. ستجدون كل تجارب التعايش موجودة وستنصلح بيوتنا إن شاء الله وشبابنا سيكونوا قادرين على النجاح أكثر، وربما يحقن دم إنسان في العراق بسبب حلقة من الحلقات عن الإمام أبو حنيفة أو مالك، وربما البحث العلمي حين يرى الناس أبو حنيفة حين أقام مؤسسة للبحث العلمي في سنة ثمانين هجرية، وفي الحلقة القادمة سنتحدث عن الأئمة الأربعة ثم سندخل مع الإمام أبو حنيفة في حوالي أربع حلقات، ثم الإمام مالك خمس حلقات ثم الإمام الشافعي ست حلقات ثم الإمام أحمد بن حنبل أربع أو خمس حلقات.
نراكم الأسبوع القادم إن شاء الله ونبدأ سوياً مع الأئمة الأربعة ودعوة للتعايش.. نراكم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:10 pm

( الحلقة الثانية )

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم في الحلقة الثانية من "دعوة للتعايش"، وهي عبارة عن مقدمة تشويقية أرجو أن تنال إعجابكم .

دعونا نستذكر أولاً معنى "التعايش"، "التعايش" يعني كيف نتفاهم ونتحاور؟ وكيف يحترم ويقدر بعضنا بعضاً؟ كيف نبحث عن مساحة مشتركة فيما بيننا، ونبني جسوراً لا حوائط وحواجز بيننا؟ هذا البرنامج موجه للزوج وزوجه، للآباء والأبناء. ونيتنا منه أن نُرَسِّخَ معاني الحوار والتفاهم داخل العائلة، وأن نقلل من نسب الطلاق ونقلل من التعاسة، وأن نحمي جيل الشباب وننقذهم مما ينتشر بينهم من المخدرات والتطرف؛ فنستوعبهم ونستمع إليهم - ويستمعون إلينا هم أيضاً- لا أن نتهمهم وقد نكون نحن السبب في رفضهم التحدث معنا، أو أنه لا يوجد حوار مشترك أصلاً بيننا وبينهم.

نيتنا في هذا البرنامج: ".... فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ...." (الأنفال:1)، نيتنا: " إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ...." (الحجرات:10)، نيتنا: (المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)، نيتنا: (المؤمنون أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم )، نيتنا أن يُحترمُ الإسلام في العالم بعدما وُجِدت صور صارخة من عدم احترام بعضنا البعض وعدم استماع بعضنا بعضاً، فظن المسلمون أن دينهم لا يوجد به تعايش، وظن الغرب أن المسلمين بعيدون كل البعد عن الحوار والتفاهم حتى وُصِمنا بالهمجية! ونحن نقول بأن ديننا هو أعظم الأديان حوارًا وتعايشاً، فقرآننا كتاب حِوَاريّ. لكن ليس معنى التعايش معك أيها الغرب أن تفرض علينا ثقافتك، وتمحو شخصية شبابنا، ولا أن تأخذ أرضي وتدعوني للتعايش؛ فالتعايش لا يعني الذوبان، بل هو أن نكون أنا طرف، وأنت طرف، ونبحث عن مساحة مشتركة للحوار والتفاهم. والتعايش للمسلمين المتواجدين في الغرب هو كيف يندمجون في المجتمع الغربي ليعطوا صورة جميلة للإسلام دون أن يفقدوا هويتهم الإسلامية.

حينما بحثنا عن أمثلة للتعايش، وجدنا أن علينا اختيار نماذج من تاريخ أمتنا. فأنا أريد التعايش مع الغرب، ولكن حين أبني تصوري للتعايش ولنهضة أمتنا، لابد أن يكون ذلك نابعًا من جذورنا لكي يعرف الغرب حقيقة الإسلام. إن هذا البرنامج يخاطب الغرب، ولا مانع من الاستعانة بالتجارب الأخرى فهذا من التعايش. وقد رَوَيْنا من قبل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وجدنا تجربة مفيدة جدًّا، ومناسبة للوقت الذي نعيشه: الأئمة الأربعة.

لماذا الأئمة الأربعة ؟
أولاً، أقول بأن هذه الحلقة تشويقية، بمعنى أنني سأذكر عنهم بعض الأمور، وأسأل لماذا فعلوا كذا؟ وكيف تصرفوا في موقف كذا؟ ثم نعرف التفاصيل في الحقات القادمة إن شاء الله. وقد اخترنا الأئمة الأربعة لأنهم من تاريخنا، ولأنهم أئمة التعايش في تاريخ المسلمين، بل وفي تاريخ البشرية. وسوف أثبت صحة هذه الكلمة خلال العشرين حلقة القادمة -إن شاء الله-. فهم أئمة التعايش، والتفاهم والحوار، والحضارة في تاريخ البشرية، كما أنهم تواجدوا في أواخر الدولة الأموية، وفي عصر الدولة العباسية - أي في زمن مشابه لزماننا- في زمن شَهَد انفتاحًا ضخمًا، وتجديدًا، وعلومًا، ونهضةً، وانطلاقةً غيرَ عادية بالإضافة لنقطة مشابهة جدًّا لواقعنا الحالي، وهي أنهم جاءوا في وقت غزوٍ ثقافي للمسلمين من ثقافات أخرى كالفرس والروم، فكلهم يدخلون في الإسلام بثقافتهم، وقد استطاع الأئمة الأربعة التعايش مع هذه الثقافات المختلفة دون أن يذوبوا فيها، وحافظوا على دين الأمة وثقافتها دون أن ينغلقوا على أنفسهم. فقد جاءوا بعد زمن شهد الفتنة بين سيدنا علي بن أبي طالب، وسيدنا معاوية بن أبي سفيان، فكيف تعاملوا مع هذا الأمر؟ وماذا قالوا عنهم؟ وماذا قالوا عن سيدنا عثمان؟ وعن أبي بكر وعمر؟ كيف كانوا يتصرفون إذا تطاحن الناس؟

الأئمة الأربعة مختلفين:
وجد الأئمة الأربعة في بداية تشكيل الفقه الإسلامي، فالنبي صلى الله عليه وسلم مات وترك لنا القرآن والسنة. عدد الآيات والأحاديث محدود بينما ستستجد - إلى يوم القيامة- أحداثًا وعقودًا، وقضايا في البيع والشراء، والزواج والطلاق، وعلاقة المسلمين بغير المسلمين وعلاقة الحاكم بالمحكوم، والعبادات وغيرها، فكيف نستخرج ونستنبط من هذه الآيات والأحاديث المحدودة حلولاً لمشاكل غير محدودة ؟ هذا هو الفقه. لذلك فهو من أهم وأعظم العلوم الإسلامية.

والأئمة الأربعة من أوائل من قام بهذا، وكان لكل منهم طريقة وفكر وقواعد مختلفة عن الآخر، أي أنهم مختلفون في قضايا كبيرة وليست فرعية - كما هو الحال الآن- ورغم هذا الاختلاف إلا أنهم كانوا يُكنّون لبعضهم كل الحب والاحترام، فهل رأيتم مثل هذا التعايش؟ وهل علمتم سرَّ اختياري للأئمة الأربعة؟ لأنهم نموذج رائع في التفاهم والتعايش، والود والاحترام، والاستماع وقبول الآخر، وليس قبول فكره بالضرورة، ولكن قبول وجوده بجانبي. نريد أن نكون مثل هؤلاء، ونريد أن نحكي عنهم للغرب الذي يقول إن من أسباب جمود المسلمين جمود فقههم وأئمتهم الأوائل.

تتحدث هذه الحلقة عن الأئمة الأربعة جميعًا. وابتداءً من الحلقة القادمة - بإذن الله- سوف نتناولهم واحدًا تلو الآخر بحسب ترتيبهم الزمني، وسنبدأ أولاً بحياة الإمام أبي حنيفة فنحبه ونتخيله، ثم نبحث في مدى تعايشه، وفي تعامله مع مشاكل عصره، ومع الحكام، ومع العصاة ومع غير المسلمين، ونرى كيف كان يفكر؟ وكيف استمر نجاحه ثلاثين سنة - والناس مجتمعة عليه-؟ حتى نتعلم منه. لاحظوا أنه لو لم يكن الأئمة الأربعة متعايشين لما نجحوا إلى هذا الحد. ولا تظنوا أنه لم يوجد فقهاء غيرهم، بل وأعلم منهم - ومنهم أساتذتهم- فلماذا وصلنا فقه الأئمة الأربعة، ولم يصلْنا فقه هؤلاء؟ وما الذي ميَّزَ هؤلاء الأربعة عن الباقين؟ الموضوع ليس مجرد فقه، بل هو القدرة على التعايش؛ فهؤلاء الأربعة تعايشوا مع الجيل التالي لهم، فورَّثوا علمهم لتلامذتهم الذين نشروا هذا العلم. فأين - من الجامعات اليوم- مَنْ يفعلُ مثل هذا ويعتني بأفراد بعينهم ليكونوا علماء بعد عشرين سنة بدلا من هجرة العقول الناجحة إلى الغرب؟ كان أبو حنيفة أول من فعل ذلك حين اختار أربعةً من تلامذته، وبدأ يعطيهم المنح المالية لفقرهم حتى يتفرغوا للعلم قبل أن تعرف جامعات أوروبا هذا النظام بسنوات، فخرج من تحت يده أربعةٌ، منهم: أبو يوسف الذي أصبح فيما بعد قاضي قضاة العالم الإسلامي، في حين إن علماءً آخرين مثل: الليث بن سعد الذي كان في مصر والذي قال فيه الإمام الشافعي: (الليث بن سعد أفقهُ من مالك غير أن أصحابه ضيعوه) ضيعوا علمهم فلم يُورِّثوه.

من أسباب نجاح الأئمة الأربعة كذلك، مرونتهم ومرونة فقههم؛ فالإنسان المرن يجيد التعايش مع الناس، ومنها كثرة سفرهم واحتكاكهم بالناس، وسكنهم في مدن رئيسية. فالمنعزل لا ينجح، وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه). ومن الأسباب كذلك، علاقتهم بالحكام رغم عدم موافقتهم أحيانًا على ما يفعله الحاكم إلا أنها لم تصل أبدًا إلى الصدام، فلم يُداهنوهم كما لم يصطدموا بهم، ولذلك لم يُحْجَبوا عن الناس ولم تُمنَع أفكارهم. ومن أسباب نجاحهم، أنهم قدموا المنفعة لملايين من الناس، فهم دائمًا لديهم أفكاراً جديدة، حتى إن الإمام الشافعي قد تأثرت به أوروبا لأنه أتى بفكرة جديدة، وهي أن أي علم لابد له من قواعد يقوم عليها - وذلك لم يكن موجود من قبل-، فوضع قواعد لاستنباط الأحكام الفقهية من القرآن والسنة وجعلها في كتاب، فأسس بذلك طريقة للتفكير المنطقي، وكيفية التفكير بشكل مرتب ومتسلسل، وقد أخذها عنه ابن رشد في الأندلس، وأخذتها أوروبا عن ابن رشد. وكذلك الإمام أحمد بن حنبل الذي كان يحضر له 5000 طالب و10.000 طالب في ذلك الزمان ولمدة عشر سنوات في بغداد. انظروا للإمام مالك الذي مات في الثامنة والسبعين من عمره وقد استمرت حلقته 60 عامًا متواصلة والناس تأتي إليه من القارات الثلاث وحضر عنده ثلاثة أجيال.

تعريف بالأئمة الأربعة :
أولاً المولد: وهنا ملحوظة هامة، فقد جاءوا جميعًا من مدن كبرى، أي عاشوا محتكين بالناس في مجتمعات كبيرة، اثنان منهم وُلِدا في العراق، واثنان وُلِدا في الحجاز. أما العراق، فقد ولد الإمام أبو حنيفة عام 80 للهجرة في الكوفة التي كانت مقرًّا للخلافة الإسلامية أيام سيدنا علي بن أبي طالب، والإمام أحمد بن حنبل الذي ولد في بغداد، فهذان يمثلان مدرسة العراق. وأما الحجاز، فقد ولد الإمام مالك في المدينة، والإمام الشافعي في غزة بفلسطين لكنه - وهو في الثالثة من عمره - عاد إلى مكة بعد وفاة أبيه، وهو في الأصل من مكة، فهذان يمثلان مدرسة الحجاز.

ثانياً الأصول: اثنان من أصول عربية، أحدهما: الشافعي فهو قرشي، ومن نسب النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر أحمد بن حنبل من بني شيبان، وهي قبيلة عربية كبيرة، ومنها المثنى بن حارثة - أول من حارب الفرس في الفتوحات الإسلامية-. واثنان من أصول غير عربية، أحدهما: أبو حنيفة فأصله فارسي، والآخر الإمام مالك إذ يقال إن أصله من الموالي، وهذه نقطة خطيرة في التعايش، فقبل الإسلام لم يكن العربي ليقبل أن يتبع أحدًا من غير العرب، فهل يعقل أن الإسلام غيرَّهم لهذه الدرجة؟ بينما اليوم، نجد داخل المجتمع الواحد طبقة ترفض الأخرى ويُنظر للناس على أساس الجنسية أو الغنى والفقر!

ثالثاً الترتيب الزمني: نرتب الأئمة الأربعة ترتيبًا زمنيًا: فأولهم الإمام أبو حنيفة، يليه الإمام مالك، ثم الإمام الشافعي، وأخيرًا الإمام أحمد بن حنبل. وكلهم تتلمذوا على يد بعض، فأحمد بن حنبل تلميذ الشافعي، والشافعي تلميذ مالك، وأحمد والشافعي تتلمذا على تلاميذ أبي حنيفة، فأحمد بن حنبل تلميذ أبي يوسف، والشافعي تلميذ محمد بن الحسن. وكلهم مختلفون في الفكر. وهذا يبين لنا كيف أن التعايش لا يعني الذوبان وفقدان الشخصية، وفي الوقت نفسه، يحب ويحترم بعضهم بعضًا. فهل يمكنك أن تكون شخصية منفتحة ومتعايشة دون أن تفرّط بثوابتك؟

رابعاً الوضع الاجتماعي والمالي: اثنان منهم أغنياء، واثنان فقراء؛ أبو حنيفة ومالك من الأغنياء، فأبو حنيفة تاجر غني جدًّا لكنه كان إذا جالس الفقراء لم يحسبوه غنيًّا. والشافعي وأحمد بن حنبل من الفقراء، ومع ذلك يتودد لهما الملوك والأمراء. وبالمناسبة، كلهم أشكالهم جميلة، وكلهم طوال القامة، اثنان منهم أبيضا البشرة وهما أبو حنيفة ومالك. وقد كان مالكًا أشقرَ أزرقَ العينين، واثنان أسمران.

خامساً الكتب: ثلاثة منهم قد ألّفوا كتبًا، وواحدًا لم يؤلف. فالشافعي وضع فكره في كتاب أسماه "الرسالة". وأحمد بن حنبل جمع "مسند الإمام أحمد بن حنبل". ومالك كان أول من ألف، فكتب كتابه "الموطأ"، أما أبو حنيفة فلم يؤلف كتابًا، لكنه صنع رجالاً، والرجال هم الذين كتبوا كلامه. وقد قام أبو حنيفة بعمل عجيب، فقد اتفق مع أصحابه أن يعملوا ضمن فريق، وأن يناقشوا كل مسألة، والرأي الذي يتفقون عليه في النهاية هو الذي يُكتَب، وليس رأي أبي حنيفة الشخصي، أي أنه عمل أكاديمية أو مَجْمَعًا فقهيًّا، فصار تلامذته يعشقون هذا اللقاء الذي يجمع عددًا كبيرًا من طلاب العلم. واستمر هذا المَجْمَع ثلاثين عامًا حتى إن بعض العلماء الكبار في ذلك الوقت تركوا حلقاتهم وانضموا لمجلس أبي حنيفة من أجل مصلحة الإسلام. فليستمع الغرب الذي يتحدث عن العصف الذهني وفرق العمل ماذا فعل أبو حنيفة منذ ذلك الزمن؟!

لو نظرنا إلى متوسط أعمارهم نجد أنهم عاشوا طويلاً: أبو حنيفة 77 سنة، ومالك 86 سنة، وأحمد بن حنبل 77 سنة، والوحيد الذي مات صغيرًا كان الشافعي 54 سنة لكن كان له إنتاج غزير. ولم يحدث لأيٍّ منهم أن انفضَّ الناس عنه قبل موته، وليس السبب في علمهم فقط- وإن كان العلم أساسيًّا بالطبع- لكن هناك أمرًا آخر، هل هو التعايش؟ هل هو القدرة على التعامل مع الناس؟ كان الإمام أبو حنيفة في الحج، فجلس إلى الحلاق ليحلق رأسه، فسأله أبو حنيفة: كم سأدفع لك؟ أجابه الحلاق: لا يصح في النسك أن نتشارط على المال، فاستأذنه أبو حنيفة في كتابتها، ثم عاد فجلس فقال له الحلاق: استدر نحو القبلة فهذا نسك، فكتبها أبو حنيفة، ثم قال له الحلاق: كَبِّرْ وهلِّل إنها نُسك، فجعلها أبو حنيفة في فقهه وقال: تعلمتُ من الحلاق خمسة مسائل في الفقه لم أكن أعلمها من قبل، ولعل هذا من أسرار تفوقهم، أنهم لا يستكبرون على التعلم من أحد. وهذا الإمام مالك، قد بدأ حلقته وكان له من العمر 17 سنة واستمر حتى مات. وطوال هذه المدة كان الحضور بالآلاف حتى اضطر للاستعانة بمن يساعده في النظام فكان ينادي: (ليدخل أهل الحجاز) فلا يدخل غيرهم، (ليدخل أهل الشام)، (ليدخل أهل مصر). ويقال إنه لم يشتهر في تاريخ المسلمين - في عصرهم بعد الخلفاء الراشدين - مثل الشافعي وأحمد بن حنبل. وكان الشافعي أينما انتقل يجتمع له عشرات الآلاف في مسجد عمرو بن العاص بمصر وفي المسجد الجامع بالعراق .

فمن يتعلم التعايش مع الغير سينجح في التعامل مع الناس. اليوم، يخسر الشخص جاره لأبسط سبب - إن خسارة إنسان واحد لأمرٌ عظيم-، فكيف تكون طريقة تفكيرنا أنني أريد أن أكسب الناس ولا أخسرهم؟ وهناك قاعدة تقول: لو أن ألفَ شخصٍ راضون عنك، وواحدًا فقط ليس براضٍ فاركضْ نحو هذا الشخص، ولا يعني هذا أنك لن تخسر أحدًا كما لا يعني التعايش أنك منافق. فالأئمة الأربعة أُوذوا وسُجنوا وضُربوا، فهم متعايشون مع الجماهير وفي الوقت نفسه أصحاب مبدأ. والتعايش لا يعني أنك لن تصاب بأذى، بل هو طريقة تفكير. وكان الإمام أحمد يقول لخصومه: بيننا وبينكم الجنائز، وقد خرج في جنازته عشرات الآلاف حتى سُدَّت الطرق، بينما من تسببوا في إيذائه وسَجْنِهِ ماتوا لا يُذكَرون. كيف يكون الإيذاء بسبب المبدأ رغم التعايش؟ هذا أبو حنيفة كان متعايشًا مع الخليفة، وكان يحترم الخلافة العباسية إلى أن طلب منه الخليفة أن يتولى أمر القضاء فرفض لأنه لم يجد حرية القضاء متحققة، فعُذِّب وضُرِب بالسياط حتى قالت له أمه: اقبل، قال: يا أمي إنْ قبِلتُ فَقَدْتُ الدنيا والآخرة. لكنه مع ذلك قال لتلميذه أبي يوسف: أراك ستكون قاضيًا وسيتغير الزمن، قال: كيف أقبلُ القضاء وأنت رفضته؟ قال: وهل زمنك مثل زمني؟ القضاء عظيم لكن ما أنا فيه هو ما منعني. فانظروا إلى التوازن والتعايش .

دور المرأة في حياة الأئمة الأربعة:
فالمرأة لها دور كبير في حياة الأئمة الأربعة، وهذا أمر ربما يَخفَى على الكثيرين. فأحمد بن حنبل وراءه أمه التي مات زوجها وهي شابة فرفضت الزواج حتى تربيه. والإمام الشافعي وراءه أمه التي قالت له: قد نذرتك للعلم لعل الله يجمع بك الأمة. ففكرة التعايش وجمع الأمة كانت عند أم الشافعي وغرستها به وحثته على تعلم كل ما يمكن أن يجمع به الأمة حتى كان إمام التعايش. والإمام مالك وراءه أمه إذ أنقذته، فقد كان يسير في طريق مختلف تمامًا فحوَّلت مساره بذكاء الأم دون قهر. فيا أمهات، بالله عليكن نريد أن نستفيد من قصص الأئمة الأربعة ونُخرج أبناءً بهذه الصورة. وكانت ابنة الإمام مالك تجلس خلف الجدار أثناء الدرس، وأحد تلامذته يقرأ والإمام مالك يعلق، فكانت لو أخطأ الرجل طرقت على الجدار لتنبه أباها فهي تحفظ كتابه الموطأ مثله تمامًا. وقد كان ممن تعلم الإمام مالك العلم على أيديهم: عائشة بنت سعد بن أبي وقاص. كذلك الإمام الشافعي حين انتقل إلى مصر ذهب ليتعلم على يد السيدة نفيسة بنت الحسن بن علي، ولم يأنف أن يتتلمذ على يد امرأة. أما الإمام أبو حنيفة فكان للنساء مكان مخصص في حلقته ضمن طلاب العلم الثلاثين الذين يشاورهم في الفتاوى.

ثم انظروا إلى تعايش أبي حنيفة مع الأم التي ترى ابنها صغيرًا مهما كبر. فذات يوم، حلفت أمه يمينًا، وأرادت أن ترجع فيه، فسألته فأفتاها لكنها أبت القبول منه وقالت له: بل أذهب إلى زرعة القاص - وزرعة القاص عابد يحبه الناس ولكنه ليس فقيهًا-، فلو أن غير أبي حنيفة مكانه لربما رفض وقال: لها ستفضحينني أمام الناس، ولكن أبا حنيفة أخذ أمه إلى زرعة القاص وأرسل له يقول: لو جاءك سؤال كذا فجوابه كذا، فلما دخلوا على زرعة قالت له: أفتنا، قال: أفتيكِ ومعكِ إمام الأمة؟! فقال له أبو حنيفة: أفتها، فأجابها بمثل جواب أبي حنيفة فقبلت منه.

الأئمة الأربعة والعبادة: فقد كانوا قدوة كاملة وكان كلامهم موافقًا لعملهم، وهذا هو سر نجاحهم. فكانت عبادتهم عظيمة فتراهم يصومون ويقومون الليل، حتى إن الإمام أبا حنيفة قام ليلةً يصلي بآية: "فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ" (الطور:27،28)، فجاءه أحدهم ليستفتيه وجده يقرأها فذهب ثم رجع فوجده ما زال يصلي بها ويبكي.

الأئمة الأربعة ومواهب أخرى:وقد كان لديهم مواهب أخرى غير الفقه، فالإمام أحمد كانت لديه موهبة الخط الرائع، والإمام الشافعي لديه موهبة الشعر، وهو القائل: نعيبُ زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا، والإمام مالك والتفكير في مصلحة الناس.

هذه كانت مقدمة وتمهيد للحديث عن الأئمة الأربعة. أنا فخور وأنا أتكلم عن تاريخنا، وأقول للغرب: اسمعوا تاريخنا. وأقول للمسلمين في الغرب: اندمجوا في المجتمع حولكم وأنتم فخورون بهذا الانتماء. وأقول لشبابنا: افتخروا بثقافتنا وتعايشوا دون ذوبان. وأقول لأهل فلسطين ولأهل لبنان وأهل العراق: تاريخنا جميل فمن المعيب أن نختلف فيما بيننا هكذا والعالم يسخر منا، نريد أن نتعايش في البيت، مع الأزواج، مع الأولاد، مع الجيران والأقارب إلى أن نصل للتعايش مع كل الأمة .


Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:11 pm

( الحلقة الثالثة )


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نحن نتحدث عن التعايش وكلمة تعايش أصلها من كلمة عيشة. كيف نعيش سويًّا ونتفاهم مع بعضنا البعض؟ كيف نتعامل سويًّا ونتحاور سويًّا ونقبل بعضنا حتى وإن لم نقبل أفكار بعضنا؟ على الأقل، نقبل وجود بعضنا. ليس عيبًا أن نختلف؛ لأننا يجب أن نختلف حيث إن الاختلاف يُعدُّ سُنةً كونية، ولكن حتى إذا اختلفنا يجب أن نتعايش ونتحاور ونتفاهم، لقد أصبحنا في حال صعب جدا؛ حالنا نحن المسلمين وحال بلادنا، أنا أتحدث عن حياتنا التي أصبحت حياة صعبة بداية من علاقة الرجل بزوجته، والخلافات الزوجية، والمشاكل والتعاسة التي لا تزال في ازدياد، والطلاق المنتشر لأننا لا نعرف كيف نعيش سويًّا حتى داخل منازلنا، انظر إلى جيل الشباب، هناك فجوة كبيرة بين جيل الشباب وبين الآباء وكبار السن حتى في داخل المنزل الواحد! انظر إلى انتشار المخدرات والعنف، والانحرافات الفكرية، هذا الجيل جيل جميل ولكن المشكلة أننا لا نعرف كيف نتعايش معه وهو كذلك؟ انظر إلى ما يحدث في فلسطين بين الفلسطينيين وبعضهم، إنهم لا يستطيعون أن يتعايشوا سويًّا! نشاهد العراق والدماء السائلة وبكاء الأمهات، نشاهد لبنان وما يحدث فيها من خلافات، نشاهد دارفور والمسلمين وهم يقتّلون بعضهم، كل هذا لأننا لا نستطيع أن نتعايش سويًّا!

النقاط الأساسية:
1. هدف البرنامج.
2. ما هو الفقه وماذا تعني هذه الكلمة؟
3. تعريف بالإمام أبو حنيفة ومكانته بين الأئمة الأربعة.
4. مولده ونشأته.
5. نقطة تحول في حياة الإمام أبو حنيفة.
6. مدرسة أبو حنيفة.
7. درجات التعايش.

1.هدف البرنامج:
نية هذا البرنامج: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ..." (الحجرات:10)، نيتي أن نصلح ما بيننا، دعوة للتعايش والتحدث والتحاور واحترام بعضنا البعض مهما بلغت درجة الاختلاف، شعارنا في هذا البرنامج هو الآية الكريمة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... "(الحجرات:13)، الشعوب والقبائل: أي مختلفين عن بعضكم، كان من الممكن أن تكونوا قبيلة واحدة أو شعبًا واحدًا أو عائلة واحدة، ولكن سبب هذا الاختلاف "لتعارفوا" اللام للتعليل، تتعارفوا فتتبادلوا فتتعاونوا فتتفاهموا فيحدث ثراء للأرض، فتتبادلوا الأفكار فالكل يزيد ويعلى، لأن هدف خلق الأرض هو إعمار الأرض، ولن نستطيع أن نحقق هذا التعايش إلا إذا تعايشنا مع أنفسنا، فإذا كان من آمالنا النهضة لبلادنا، فأول خطوة هي التعايش مع أنفسنا، هناك كلمة قالها عالم من علماء الإسلام الكبار اسمه القاضي عياض، يقول: "الألفة إحدى فرائض الإسلام، وأركان الشريعة، ونظام يجمع شمل المسلمين" الألفة بيننا وبين بعض إحدى فرائض الإسلام، تخيلْ! ليس هذا فقط بل إنه ليس هناك حكم شرعي في الإسلام إلا ومن أهدافه الألفة بين الناس عمومًا وبين المسلمين خصوصًا، فلماذا حرمت الغيبة والنميمة؟ ولماذا أُمِرْنا بصلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، وتسوية الصفوف؟ حتى الطلاق له ضوابط شديدة! حتى لا تتفرقوا إلا بعد ضوابط شديدة وإحكام شديد، هذا هو الإسلام، هذا الكلام للرجل وزوجته، وللشباب، وللمصانع والشركات، وللجامعات والبحوث العلمية، وكيف أن أساتذة الجامعة أحيانًا لا يستطيعون أن يتفاهموا سويا؟ وكذلك الأساتذة والطلبة، ولكن هذا الكلام يجب أن يكون له أدلة، ويتحول من كلام نظري على الرغم من أن هذا من الممكن أن يكون صعبا ولكن سوف نحاول أن نجعله سهلاً بأن نَقصَّ قصة الأئمة الأربعة والذين كان لهم الفضل في أن يكونوا أول من قام بتشكيل الفقه الإسلامي وإنشاء مدارس له.

2. ما هو الفقه؟ وماذا تعني هذه الكلمة؟
كلمة فقه – ببساطة- هي إيجاد حلول لمشاكل الناس في الحياة في ضوء القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي، فالفقه من أخطر العلوم في الإسلام؛ لأنه يشمل كل مشاكل وقضايا الحياة من صلاة وعبادة، وزواج وطلاق، ومعاملات من بيع وشراء، هناك الكثير من الأئمة، ولكن هؤلاء الأئمة هم أعظم وأشهر العلماء الذين أسسوا مدارس ضخمة وكان لهم السبق في تشكيل الفقه الإسلامي، ولقد اخترت هؤلاء الأربعة لأن حياتهم كلها تعايش، وستنبهر بما حققوه من تعايش في حياتهم.

3. تعريف بالإمام أبو حنيفة ومكانته بين الأئمة الأربعة:
نبدأ بأول إمام وهو الإمام أبو حنيفة. الأئمة الأربعة هم أبو حنيفة، والإمام مالك بن أنس، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وهذا هو الترتيب الزمني لمولدهم ولفتراتهم، ويعد أبو حنيفة نموذجًا من نماذج التعايش مع النفس.

أبو حنيفة كنيته أبو حنيفة، ولكن اسمه النعمان بن ثابت المزربان، والمزربان تعني أنه ليس عربيًا بل فارسيًا، أي يأتي من ناحية أفغانستان وإيران، فأصل جدوده ليس من العرب ولكنهم أسلموا، فأول إمام من أئمة الفقه الإسلامي غير عربي ولا هاشمي ولا مضري وليست له أية أصول عربية، وهذه النقطة هي أول نقطة في التعايش، هل من الممكن للمجتمع أن يقبل بعضه رغم اختلافه في الغنى والفقر؟ أو الطبقة؟ أو الأصل؟ فهذه نقطة خطيرة جدا، فالإمام أبو حنيفة هو أول إمام في الأئمة الأربعة، وهو من مهد الطريق لكل من أتوا بعده، يقول العلماء: "ينبغي لكل مسلم أن يدعو في صلاته لأبي حنيفة" فهو صاحب أول مدرسة، فأكثر مذهب منتشر في العالم الإسلامي حتى الآن - خاصة بين غير المتحدثين باللغة العربية- كالهند وباكستان وغيرها من البلاد العربية أيضا كسوريا ولبنان! الغريب هنا، هو كيف قبل المسلمون أن يكون واحدا من الموالي؟ كلمة موالي تعني أي شخص من غير العرب، فأي شخص من العجم يسمى موالي، إن كل من كان يقوم بالعلم في ذلك الوقت كان من الموالي، فلقد كان هناك قاضٍ يسمى ابن أبي ليلى جالسا مع والي الكوفة عيسى بن هشام، وكان والي الكوفة عربي ومتعصب للعرب، فسأل والي الكوفة ابن أبي ليلى عن فقهاء الإسلام في ذلك الوقت فقال له: يا ابن أبي ليلة كلمني وحدثني عن الفقهاء، فقال له: بلى يا أمير المؤمنين، فقال الوالي: من فقيه أهل المدينة؟، فقال: نافع مولى ابن عمر، فقال: فمن فقيه أهل مكة؟ قال: عطاء بن أبي رابح، فقال الوالي: أمولى أم عربي؟، قال: مولى، قال: فمن فقيه أهل اليمن؟ قال: طاووس بن كيسان، قال: مولى أم عربي؟، قال: مولى، قال: فمن فقيه أهل اليمامة؟، قال: يحيى بن أبي كثير، مولى أم عربي؟، مولى - لا يوجد فيهم عربي واحد!-، قال: فمن فقيه أهل الشام؟، قال: مكحول، قال: مولى أم عربي؟، قال: مولى، قال: فمن فقيه أهل الجزيرة؟، فقال: ميمون بن مهران، قال: مولى أم عربي؟، قال: مولى، يقول ابن أبي ليلة كلما قلت له اسم أحد الموالي يحمرُّ وجهه من الغضب ويزداد غضبًا حتى قال: فمن فقيه أهل البصرة؟، قال: الحسن البصري ومحمد بن سيرين، قال: مولى أم عربي؟، قال: موليان، فيقول: فرأيت الشر في وجهه، فسألني: فمن فقيه الكوفة؟ فكدت أن أقول حماد -حماد هو أستاذ أبو حنيفة، وهو مولى- ،ولكني خفت شره، فظللت أبحث عن عربي في الكوفة فقلت إبراهيم النخعي، قال: مولى أم عربي؟، قلت: عربي، فقال: الله أكبر، فقال ابن أبي ليلة: يا أيها الوالي ماذا نفعل إنما تفوق الموالي!

انظر كيف قبل العرب أن تتفوق هؤلاء الناس على العرب؟ وهذا ليس عيبًا في العرب في هذا الوقت، فالعرب في هذا الوقت كانوا متفرغين للحكم والحروب، والفتوحات فلم يكونوا قادرين على التفوق في العلم، ويريد الموالي أن يكون لهم دور في الأمة الجديدة والإسلام فاهتموا بالعلم فكان هذا التوازن. ووالله، العظيم إن العرب قد فعلوا فعلا عظيما يوم تركوا الموالي والفرس يتعلموا العلم، فتكامل المجتمع، وحافظوا على العلم للإسلام فكان أبو حنيفة وغيره على الرغم من أنه كان من الممكن أن يرفضه المجتمع لكونه ليس عربيا، فكيف يكون إمام المسلمين غير عربي؟ إن من أسماء أبو حنيفة "الإمام الأعظم" سموه هكذا في التاريخ، واسمه الثاني "إمام الأئمة"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم "المؤمنون كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" وهذه أول نقطة في التعايش.

4. مولده ونشأته:
ولد الإمام أبو حنيفة سنة 80 وتوفي سنة 150 هجرية، فقد ولد في الكوفة، والكوفة لم تكن مدينة صغيرة – فقط- بل كان بها مسجد ضخما جداً في ذلك الوقت يسع أربعين ألف مُصلٍ، وعندما ترك سيدنا علي بن أبي طالب المدينة وانطلق إلى العراق، أقام في الكوفة وجعل هناك مركز الخلافة الإسلامية، فاختار واحدًا من أكثر الصحابة علمًا، وأرسله إلى الكوفة، وهو سيدنا عبد الله بن مسعود، وقال لهم: أرسلت إليكم ابن مسعود معلمًا ووزيرًا، ولقد اخترته لكم لأنه من أعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وبذلك تكون الكوفة لها طبيعة خاصة، ومدرسة خاصة، وهي مدرسة علي بن أبي طالب، ومدرسة ابن مسعود، وهي قريبة من مدرسة عمر بن الخطاب، فقد كانوا دائمًا يفكرون بفكر متطور ونظرة للمستقبل، فهذه حركة عظيمة ورؤية بعيدة لسيدنا علي بن أبي طالب في التعايش، لأن المدينة كانت مركز الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان، فلماذا فعل سيدنا عليّ هذا؟ لأن كل المشاكل كانت تأتي من العراق، فأراد سيدنا علي كما تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بجوار المشاكل حتى يكون أقدر على حلها، ألا تذكرون أهل الصُفّة الفقراء – فقراء المهاجرين- وما فعل النبي صلى الله عليه وسلم معهم؟ أسكنهم بجوار المسجد النبوي ليكونوا بجواره فيكون أكثر رعاية وأكثر تقديرًا لهم، إننا الآن نجد العشوائيات مهملة في أماكن بعيدة لا أحد يعلم عنهم شيئًا.

بدأ أبو حنيفة حياته كشاب قرر أن ينجح في الحياة، وكان له طبيعة خاصة جدًّا، وهي أنه إذا أراد أن يفعل شيئًا، أو إذا دخل مجالاً لا يقبل إلا أن يكون في قمته، وكان والده تاجرًا للقماش ولديه متجرًا متواضعًا، وعندما بلغ أبو حنيفة حوالي السبعة عشر من عمره قرر أن يحوّل هذا المتجر إلى واحد من أحسن متاجر القماش في العراق، يقول: فسألت: مّنْ أفضل أستاذ يُعلم الناس في علم السوق؟ فقالوا له فلان الفلاني، فذهب إليه وبدأ يتعلم، انظر إلى شخصيته فهو لا يريد أن يتعلم شيئاً إلا بطريق علمي، فهو يريد أستاذًا متخصصًا ليعلمه أصول المهنة، أصول التجارة، فتعلم على يد أستاذ، وبدأ يسأل أباه أن يطور المتجر، وبالفعل يتحول متجر الأب بعد أعوامٍ قليلة ليصبح صاحب أكبر متاجر القماش في الكوفة، وبدأ يتفنن ويزين المتجر بشكل جديد لم يكن مألوفاً في ذلك الوقت، فأصبح ثرياً جداً - مع العلم أن من المشاكل الرئيسية لعلماء الدين، وأصحاب الفكر عدم وجود المال يخلق مشكلة ما بين فكره وما بين اللهث لجمع المال، ولكنه وهو في هذه السن الصغيرة كان معه الكثير من المال. إن أبا حنيفة لم يبدأ حياته كغيره من العلماء الثلاثة الذين وجهتهم أمهاتهم في بداية حياتهم للعلم، فهو لم يكن يضع العلم والدين في رأسه، فكان شخصا عاديا، ولكن كانت كل قضيته أن ينجح في الحياة، فكان من الشباب المتميزين.

انظر إلى نقطة التعايش هنا، تركه والده يطور في المتجر في حين إنه أحيانا ما تحدث مشاكل حينما يريد الابن أن يتدخل في تجارة والده، فالابن يريد أن يطور والأب غير موافق، قال والد أبي حنيفة له: "افعل ما تراه وأنا معك ولكن أخبرني، قل لي ماذا ستفعل؟ فبدأ المتجر في الازدهار، وبدأ المال يأتي والغنى يزيد، يقول الناس: "كنا نراه يلبس الحلّّة" كان يلبس العباءة تساوي 1500 درهم في الوقت الذي كان فيه العشرة يشترون اللحم بخمسة دنانير، وعلى الرغم من كل هذا الغنى وعندما سلك طريق العلم كان دخله السنوي يتعدى المائتي ألف دينار ولم تجب عليه الزكاة أبدا، لأنه لا يدخر شيئا وينفق كثيرا، وكان يُبقى لنفسه وأهله أربعة آلاف درهم في السنة فقط.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:12 pm

باقى الحلقه الثالثه
5.نقطة تحول في حياة الإمام أبو حنيفة:
فقد بدأ تاجرا ناجحا يثير إعجاب كل الناس حتى مر يوما على شخص يدعى الشعبي، وهو واحد من أئمة الإسلام الكبار المشهورين الذي له وقفات كبيرة في الإسلام، وكان يستعان به في القضايا الكبرى، فعندما رآه الشعبي ناداه وسأله إلى مَن مِن العلماء يذهب فقال: قل لي إلى من تختلف من الأساتذة؟ – أي إلى من الأساتذة تذهب- فقال: أختلف إلى السوق على يد الأستاذ فلان، فقال الشعبي: لست عن هذا أسأل، ولكن أسأل على العلماء، فقال أبو حنيفة: لا والله، لا أختلف إليهم، فنظر إليه الشعبي وقال: أرى فيك يقظة وحركة وهمة وذكاء، أظن أن التجارة لن تشبعها، هل لك إلى أن تأخذ شيئا مع التجارة يكون عونا لك على التجارة، وتكون التجارة عونًا لك فيه؟ قال: وما هذا الشيء؟ قال: العلم، تعلم العلم، فإن لك عقلاً وذكاءً. يقول: فوقع كلامه في قلبي. انظر كيف يمكن أن تقول الكلمة وأنت غير مدرك لأهميتها تغير حياة شخص آخر؟! الشعبي رأى أنه شاب غير عادي يبذل كل جهده في التجارة، ولكن هذا العقل، وهذه الحيوية لن تستوعبها التجارة فقط ورأى أن العلم سيشبعها، نحن نعاني هذه الأيام في بلادنا من عدم اكتشاف المواهب، وما أكثر المواهب التي تولد وتعيش، وتموت، وتدفن، ولم يستطع أحد أن يظهرها.

كانت النتيجة، أن الإمام أبو حنيفة بدأ يفكر في كلام الشعبي وفي تعلم العلم، فقرر أن يذهب ويتعلم، فقال: فأي إطار أو أي نمط من أنماط العلم أتعلم؟ يقول: فبدأت أسأل لأختار، فقلت: حدثوني ما هي أنماط العلم؟ فقيل لي: القرآن والحديث واللغة والشعر والفقه، يقول: فبدأت أسأل: (عن واحد واحد)، فإذا دخلت القرآن فحفظت القرآن، وحفظت التفسير، ماذا يكون آخر أمري؟ فقالوا: تقرأ القرآن على الناس وتعلم الصبيان القرآن، يقول: ثم ماذا؟ يقولون: فإذا كبرت، خرج من الشباب من هو أقدر منك على القراءة فيسبقك، فقلت: لا أريد أن أدخل هذا، فسألت عن الحديث، فسألت: فمن أقدر الناس في الحديث؟ فماذا أفعل إذا تعلمت الحديث؟ يقولون: تحفظ الحديث ويتعلم منك الناس الحديث حتى تصير أعظم الناس تحديثا، فقلت: فماذا يكون بعد ذلك؟ يقولون: تكبر فيضعف حفظك فتنسى الحديث، وربما تتهم بالكذب، فقلت: لا أريد أن أدخل في الحديث، فماذا عن الشعر؟ يقولون: تحفظ الشعر يقول: فإذا حفظت الشعر وصرت أفضل الشعراء، فماذا يكون بعد ذلك؟ يقولون: يعطيك هذا فتمدحه ويمنعك هذا فتذمه فقال:"لا أريد هذا، فماذا أيضا؟ يقول: حتى قالوا لي الفقه، فقالوا لي: تعلم الناس وتفتي الناس وربما تكون قاضيا وأنت شاب صغير، فقلت: أريد هذا العلم، يقول: فذهبت إلى الشعبي، فقلت له: أتراني أقدر على الفقه؟ فقال: ذلك ما أردت لك، فسألت: فمن أفضل الناس في الفقه؟ فقيل لي: حماد بن أبي سليمان، فقلت: سألزمه، فلزمت حماد.

هناك الكثير من الشباب يدخل الجامعة لأن مجموعه لا يتناسب إلا مع هذه الجامعة، ثم يتخرج فيعمل في أي عمل متاح له، ولكن انظر كيف كان يخطط لمستقبله لتتعلم منه؟ وانظر كيف كان يريد أن يعرف آخر مرحلة سيصل إليها في العلم؟ طبعا أنا لا أعيب في العلوم الأخرى ولكن أريد أن أريك كيف كان يفكر؟ فقد سأل واستشار لأنه لا يحب أن يأخذ قرارات فردية، انظر إلى أول التعايش أنا مع نفسي - هناك بيني وبين نفسي انسجام- وهذه النقطة هي قمة في التعايش لأنه سوف يبني مدرسته على هذا.

سوف يقضي ثمانية عشر سنة مع أستاذه حماد يتعلم منه ويستفيد منه، والعجيب أن حماد قبل، عندما ذهب إليه قال: ماذا تريد؟ قال: أتعلم العلم، قال: وماذا عن التجارة؟ قلت: لن أتركها، قال: أحسنت، إذن تتعلم عندي كل يوم ثلاثة مسائل فقط. ثلاثة مسائل كل يوم، فالبحر أو السيل من القطر، والجبل من الحصى، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فبدأ بثلاثة مسائل ولكن بعد ثلاث سنوات، بدأ حماد يشعر بأن أبو حنيفة نضج، فبدأ يجلسه بجواره في الحلقة يتحدث وقتما يشاء، فأصبحت حلقة مشتركة، كل هذا وأبو حنيفة في أوائل العشرينيات من عمره، نحن الآن نسمع أنه إذا كان هناك شخص في شركة يرى أن أحد الموظفين متميز فإنه يبدأ في الضغط عليه ليزيحه من أمامه! أما حماد فيعليه ولذلك سيحفظها له أبو حنيفة طوال عمره.

يقول أبو حنيفة: غير أني لم أكتف بحماد، فبحثت عن باقي العلماء في عصره، فذهبت أطلب العلم من جعفر الصادق، ومع ذلك أذن لي حماد أن أذهب إلى جعفر الصادق وقَبِل جعفر الصادق أن يعلمني، واختلفت مع جعفر الصادق في مسائل وقَبِل ذلك. وهذه نقطة أخرى في التعايش، فحماد لم يضق صدره لهذا، جعفر الصادق هو مؤسس كل الفقه الشيعي، أي أن أبو حنيفة أخذ الفقه الشيعي، ومع ذلك لم يكن عنده مشكلة أن يقول وأنا مختلف مع الفقه الشيعي في كذا وكذا.

يقول أبو حنيفة: كنا نجلس الليالي حتى الفجر أنا ومجموعة قليلة من تلامذة حماد، بعد درس المسجد نجلس لتناول العلم، فيقول إن حماد كان رجلًا وأستاذًًا مهذبا، فكان لا يستطيع أبدا أن ينهي الجلسة، وكان عنده ديك، وكان هذا الديك يصيح مع اقتراب الفجر، فيقول لا ينتهي الدرس حتى يصيح الديك حتى لا يكون هو من أنهى الدرس! انظر إلى أدب المعلم! وكان أبو حنيفة يغضب عندما يصيح الديك لأنه يريد أن ينهل من حماد، فبدأ يقول مازحا: يا لك من ديك كسول تصيح في أول الليل. ثم ينظر إلى حماد ويقول له: يا إمام إن الديك يؤذن في وقت خطأ!

أبو حنيفة صريح ومتعايش مع نفسه، هناك أشخاص مصطدمة مع نفسها أو في حالة غضب وثورة داخلية، أو تهرب من نفسها لا تريد أن تواجه نفسها، يقول أبو حنيفة: بعد 10 سنين نازعتني نفسي للرئاسة، فقلت سأذهب اليوم إلى المسجد وأجعل لنفسي حلقة مستقلة، فدخلت المسجد فرأيت حماد في حلقته يجلس، فما استطاعت نفسي من أجل ما فعله معي ومن أجل إجلاله، فذهبت وجلست في الحلقة وأبيت يومها أن أجلس بجواره، فجلست بين يدي حماد يقول: ففي اليوم نفسه جاء لحماد خبر من البصرة أن له إرث، فترك الحلقة، وقال لي: كن مكاني حتى أعود، فجلست مكانه في الحلقة لمدة شهرين، فبقيت أنظر فإذا بقضايا جديدة، كلما جاءت قضية جديدة أقول لم يقلها لي حماد، فأقول: الحمد لله أني لم أنفرد بالرئاسة، فلما عاد حماد كنت قد كتبت كل القضايا التي عرضت علي، فجلست بين يديه فعرضت عليه ستين قضية فوافقني في أربعين واختلف معي في عشرين فتعلمت العشرين، فقلت والله لا أفارق حماد مادام حيًّا. كان يريد أن يكون له حلقته الخاصة أيضا ولكن نازعته نفسه ولكنه عرف كيف يعالجها، أول التعايش أن نحدث أنفسنا، نتفاهم مع أنفسنا. وسبحان الله، كأن الله أراد أن يكافئه وفي الليلة نفسها، وكأنه تدريب له، وفي هذه المدة بدأت تأتيه مسائل وقضايا جديدة لم يكن تعلمها من حماد، فحمد الله أنه ظل في العمل الجماعي، ألف باء التعايش في بلادنا أننا نفتقد في شركاتنا، ومصانعنا، وكلياتنا، وفي البحث العلمي، وفي الجامعات لفريق العمل. الغرب نجح؛ لأنه قائم على عمل مؤسسي مشترك، اعملوا سويًّا، لم نسمع قط عن مجموعة عملت على بحث علمي فنجحوا نجاحا مبهرا وظلوا سويًّا! نحن نرى من يشتركون في عمل ثقافي، أو فني وبعد ذلك ينفصلون وكل واحد يعمل بمفرده!

مات حماد بعد ثمانية أعوام، ولكن انظروا إلى هذا الحب والذي نفتقده هذه الأيام بين التلميذ وأستاذه - مع العلم أن أبو حنيفة مختلف مع حماد في أكثر من مائة مسألة، وسوف يغير كل نظام الحلقة بعد ما يقودها- ومع ذلك يقول: والله إني لأستغفر لحماد كما أستغفر لوالدي في كل صلاة، وإني لأستغفر لمن علمني العلم ولمن علمته العلم، فقالوا: لماذا تستغفر لمن تعلمه؟ قال: ليثبت على الحق لأظل آخذ ثوابه، ويقول: والله، كانت بين بيتي وبيت حماد سبع سكك والله ما كنت أستطيع أن أمد قدمي في اتجاه بيت أستاذي حماد. انظر الأدب والحب لأي درجة؟ ويقول: "والله، لا أستطيع أن أقلب الورق بين يدي أستاذي حماد بصوت عال حتى لا أزعجه. أتعلمون أن أبا حنيفة سمى ابنه حماد على اسم أستاذه؟ أتعلمون أنه عندما غاب حماد شهرين عن الكوفة وفور رجوعه قال ابنه: يا أبت هذه أول مرة تغيب، لأي شيء اشتقت؟ فقال: لأبي حنيفة، وإني، والله، أتمنى أن أرافقه فلا أغادره حتى أموت.

6.مدرسة أبي حنيفة:
يقول أبو حنيفة: فابتدأت الحلقة في سن الأربعين، وسوف يكون أعظم مدرسة بل أكاديمية أو جامعة، وهو أول من قرر أنه ليس هناك ما يسمى بالفقه الفردي، سوف يتحدث عن تشكيل الفقه الإسلامي فكيف يفعل ذلك بمفرده؟ فكون مجموعة من أربعين شخصا بها كل التخصصات المختلفة، يجب أن يكون هناك متخصصون في التجارة، واللغة، والحديث والقرآن، والتفسير، والشعر، وخبير بأحوال العراق - خبير اجتماعي- ويجلسون سويا ويبدءون النقاش في احتياجات ومشاكل المجتمع، ويستنبطون من القرآن والسنة، وإذا لم نجد نُعْمِلُ عقولنا سويا؛ لأننا فريق عمل واحد لذلك ليس هناك ما يسمى بكتب أبو حنيفة ولكن فقه المدرسة، صحيح أن أبا حنيفة هو الأستاذ ولكن هناك أربعين آخرين، بل حضرها مئات بل آلاف ولكن هؤلاء الأربعين كونوا أول الصفوف. يبدأ أبو حنيفة بعرض مسألة فقهية، ويفتح المناقشة
أولاً تحليل المشكلة، الفروض المقترحة، ثم نصل إلى الحلول، وهناك شخص يكتب، كأنه منهج علمي، مثلما نفعل في الرياضيات، ولا يهم كم من الوقت نقضي في المسألة الواحدة، ويبدأ كل واحد يُدلي بدلوه وكل واحد يرفع يده، وتبدأ المناقشة حتى نصل إلى لقرار النهائي في المشكلة في ضوء الرأي الجماعي.

فإذا اختلف رأي أبي حنيفة مع رأي الجماعة، هناك شخص يدعى أبو يوسف - وهو التلميذ الأول، وسوف يصبح قاضي القضاة في الدولة الإسلامية لمدة أربعة خلفاء- جالس يكتب القرار النهائي وهو الفتوى والأسباب التي بناءً عليها تم الاختيار، ظلت هذه الحلقة لمدة 30 سنة، مؤتمر منعقد دائم لاختيار القضايا، كل هذا التعايش قائم على الحوار، كانوا يتحدثون في كل شيء ويربطوه بالدين، فألغوا الفجوة بين الحياة وبين الدين لأنهم ربطوا الاثنين ببعض، فذات مرة، قال أحد العلماء: أخطأ أبو حنيفة - وكان سفيان الثوري من العلماء الكبار يجلس بجواره- فقال: ما ينبغي أن يخطئ، قال: كيف لا يخطئ؟ أهو معصوم؟، قال: ليس معصوما، ولكنه لا يفكر وحده، ولذلك من الممكن أن تجد فتوى من فتاوى الفقه الحنفي، ورأي أبو حنيفة مخالف لها لأنه كان له رأي والمجموعة اتفقت على رأي آخر.

كان أبو حنيفة أول من أعطى المنح الدراسية، قبل جامعات أوروبا! أبو يوسف كان تلميذا فقيرا، وكان أبو حنيفة يرى أنه سوف يكون غير عادي في المستقبل. وكان يجلسه بجواره أيضاً، ولكن والد أبي يوسف قال له: أنت فقير وأبو حنيفة غني. أي أنك لن تأكل عيشا إذا ظللت معه، اذهب واعمل، فبدأ أبو يوسف يتخلف عن المجموعة، وأبو حنيفة يريده في المجموعة، فقال له أبو حنيفة:يا أبا يوسف، ما شغلك عنا؟ فقال: طاعة أبي والبحث عن عمل فقال: إذا انصرف الناس ائتني، فأعطاه صرة فيها 100 درهم، وقال له: عندما تفنى هذه تأتني ولكن تفرّغ لنا، فإني أؤملك للمسلمين ثم جعل بعد ذلك له راتبا شهريا، فكانت أول منحة دراسية ليتفرغ للعلم، لأنه يرى فيه أمل كبير للمسلمين، وبعد ذلك أعطى طالبين آخرين منحتين.

وفي مرة قرر أبو يوسف أن ينفصل، كما فكر أبو حنيفة من سنين ولكنه لم يفعل لكن أبو يوسف فعلها، فقام وكون لنفسه حلقة، فتركه أبو حنيفة ثلاثة أيام، وبعد ذلك قال لرجل: اذهب إلى حلقة أبي يوسف واسأله: قل له ذهب شخصٌ إلى الخياط، طلب منه أن يقصر له الثوب بدرهم فجاء في اليوم التالي، فقال: أقصَّرْت الثوب؟ قال: "سيكون جاهزا غدا، فذهب إليه في اليوم التالي فقال له الخياط: ليس لك عندي ثوب، فمر في اليوم التالي فرأى الثوب معلق وقد قصُر، فقال: ثوبي، فيبدوا أن التاجر شعر بحرج لأنه كان يريد أن يبيع الثوب فقال: نعم، نعم خذه، قال له: فاسأل أبو يوسف أيستحق الرجل أجرة أم لا؟ فإن قال لك: نعم، فقل له: أخطأت وإن قال لك: لا فقل له أخطأت، فذهب الرجل ووقف أمام أبو يوسف، وسأله السؤال فقال: نعم، يستحق الأجرة، فقال الرجل: أخطأت، ففكر أبو يوسف، وقال: لا، لا يستحق الأجرة، فقال له: أخطأت، فقال أبو يوسف للناس في الحلقة: انتظروني، وذهب إلى حلقة أبي حنيفة، ولكن لم يحرجه أبو حنيفة أمام الناس، وقام له وحده، وقال: لعل الذي جاء بك مسألة الخياط قال: نعم، فقال: إمام يجلس في حلقة كبيرة ولا يعرف في مسألة من مسائل الإيجارات؟ فقال: علمني يا أبا حنيفة، فقال: يا أبا يوسف، إن كان قد قصّر قبل أن ينوي الاغتصاب، فهو يستحق الأجرة، وإن كان قد قصر الثوب بعد ما اغتصب الثوب فلا يستحق الأجرة، ثم نظر إليه وقال: من ظن أنه يستغني عن العمل مع الناس فليبكي على نفسه، إني أؤملك يا أبا يوسف للناس، وإنك إن تركتنا فاتك وفاتنا خير كثير. من يظن أنه من الممكن أن ينجح بمفرده يبكي على نفسه، فبقي أبو يوسف حتى مات أبو حنيفة ثم صار قاضي هارون الرشيد، وصار هو قاضي بلاد الخلافة الإسلامية كلها.

7. ومن هذا نجد أن التعايش درجات:
1. أنا مع نفسي.
2. أنا مع والدي، كما رأيناه هو ووالده.
3. أنا مع أساتذتي.
4. أنا مع المجتمع الذي أعيش فيه.

تخيل أن كل هذه الدرجات كانت ناجحة سنة 80 هجرية، قد تكون مأساة الشباب الآن أنه غير متعايش مع نفسه؛ لأنه لا يستطيع أن يتعايش مع المجتمع، انظروا إلى التعايش بين الأجيال، هل من ممكن أن تفكروا في هذا النموذج؟ هل من الممكن أن تعرفوا أن هذا هو تاريخنا الإسلامي؟ لأن الغرب يقولون لنا: أنتم يا مسلمين جامدين، وإرهابيين، وفكركم عقيم والسبب أن من شكَّل فقهكم ودينكم كانوا جامدين ومتحجرين، ولكن انظر إلى هذه المرونة؟ وهذا الحوار؟ وأبو حنيفة؟ هل من الممكن لكل واحد - بعد هذه الحلقة- أن يفكر كيف يتآلف ويتعايش مع كل من حوله؟ من أجل الإسلام، من أجل العراق ولبنان وفلسطين، من أجل هذه الأمة المسكينة "...وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه... "(آل عمران:103).

Amrkhaled.net© جميع حقوق النشر محفوظة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:14 pm

( الحلقة الرابعة )

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قبل أن نبدأ، نسترجع سويا معنى البرنامج والهدف من تسميته بهذا الاسم؛ التعايش هو فن استيعاب الآخر، كيف تستوعبه ويستوعبك؟ لا يعني هذا أنه من الضرورة وجود خلاف بينك وبين شخص ما لتشاركنا دعوة للتعايش، فالتعايش يعني كيفية إقامة بيئة حوار جميلة في شركتك، في مصنعك، في النادي، مع أصدقائك، في منزلك، مع والدايك، مع زوجتك، مع أولادك، كيف لنا أن نتفاهم سويا بشكل جميلٍ ومفيد؟

ماذا فعل أبو حنيفة؟!
إن حلقة اليوم تتمحور حول ما فعله أبو حنيفة، إنه مؤسس أول وأعظم مدرسة فقهية في تاريخ الإسلام! فعندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ترك للمسلمين القرآن والسنة، وأراد المسلمون إيجاد حلول لمشكلاتهم في الحياة في ضوء القرآن والسنة، فكان لزاما علينا ان نقول ما هي الطريقة التي سنستخرج بها من الآيات والأحاديث حلول مشكلاتنا؟ فإذا أردت الزواج كيف تستخرج ذلك من القرآن والسنة؟ وهذا يوضح خطورة معنى كلمة "الفقه"؛ فهي تعني كيف لنا أن نحل مشكلاتنا في الحياة من خلال القرآن والسنة؟ وهذا ما فعله الأئمة الأربعة، فقد استنبطوا مذهبا، وضعوا طرقا ومذهبا ومدرسة، فالمذهب يعني أن يتحرك شخص من مكان لآخر، وطريقته في إيجاد حلٍّ للمشكلة تسمى مذهبًا، وقد جاء من كلمة "الذهاب"، فهم من وضعوا طرقَ حلّ المشكلات الدنيوية في ضوء القرآن والسنة.
وكان أبو حنيفة أول من بدأ - سنة 80 هجرية- فهو آخر من لحق بالتابعين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، ويقال أنه تابعيّ؛ لأنه عاصر أنس بن مالك - وهو آخر الصحابة الذي دعا له النبي بطول العمر- فانتقل ليعيش في العراق تحديدا في الكوفة - مكان ولادة أبو حنيفة- ولذلك فيغلب القول إن أبا حنيفة عاصر أنس بن مالك، فقد كان من الرعيل الأول، وجاء قبل الإمام مالك -الإمام الثاني بين الأئمة الأربعة- كذلك فقد جاء قبل الشافعيّ -الذي تتلمذ على يد تلميذه- وكذلك فقد جاء قبل أحمد بن حنبل، إنه رجلٌ غير عادي ينسب إليه أنه أول من دون علم الشريعة، وهو أول من وضع فكرة تدوين العلم في الإسلام، لاحظوا أهمية هذه النقطة فهو أول من استخدم طريقة كتابة وتسجيل ووضع كتب تتحدث عن الفقه وكيفية حل مشكلات الحياة، على الرغم من أنه في النهاية لم يؤلف كتابًا وإنما كتبها على هيئة مذكرات، وقسَّم الفقه إلى أبواب -وإلى الآن لاتزال الكتب مقسمة بهذا الشكل- فأول بابٍ هو:الطهارة، فالصلاة، فالعبادات، فالبيع والشراء، ثم كل المعاملات، ثم الرهن، ثم الزواج، ثم الطلاق، ويعد أبو حنيفة أول من وضع هذا الشكل من التقسيم في تاريخ الإسلام، صحيح أن أول ما ظهر من الكتب هو كتاب الإمام مالك (الموَطَّأ)؛ لأن أبو حنيفة لم يصدر عنه كتبًا بل مذكرات، وأفكار قد جمعها تلاميذه من بعده في كتاب، لكنه يعد أول من وضع هذا الأمر، ويعد مذهبه الأكثر انتشارا في العالم الإسلامي كله، فأغلب المسلمين- خاصة غير الناطقين بالعربية كأندونيسيا والهند وباكستان..إلخ - على مذهب الإمام أبو حنيفة، للدرجة التي يقول معها العلماء: ينبغي لكل مسلم أن يدعو في صلاته لأبي حنيفة؛ لأنه أول من شكل الفقه الإسلامي، وهذا يعني أنك تتحدث عن شخص عبقريّ صاحب مدرسة عظيمة.

إنجاز أبو حنيفة:
عظمة أبو حنيفة تكمن في كونه رأى ما يحتاجه المجتمع، وهذه أول نقاط التعايش، فلن تتمكن من التعايش إذا كنت جامدًا، ولن تتمكن من التعايش إذا أردت الناس أن تسير وفقا لهواك، ولكن التعايش هو كيف يمكن بناء منطقة مشتركة بيني وبين المجتمع من حولي؟ وهذا مطلب من يريد أن ينجح في الدنيا، فأنا أتحدث عن التعايش وقد ذكرت في بداية الحلقة الخلافات وأصحاب المشكلات، ولكن قد يكون هناك من يسمعني الآن قائلا: لكني ليس لدي مشاكل، وهذا يعني إنك لا تتحدث إليّ في هذا البرنامج! لا، إني أتحدث إليك. فمن خلال ما يسمى التفكير في ما هي احتياجاتك فأكون أكثر نجاحاً، فهي شئ للدنيا والآخرة، للدنيا لأن من يفكر بما يحتاجه المجتمع ويستطيع تقديمه لابد له أن ينجح، وهذا هو التعايش؛ لأني جزء من هذا المجتمع فكيف لي أن أتعايش معه؟ فترى ماذا يحتاج هذا المجتمع؟ يحتاج كذا وكذا وكذا، أتعرف من الذي يصبح مليونيرا؟ يقولون هو من يرى إلى أين يذهب الناس فيسبقهم، وعندما يصل الناس يجدونه منتظرهم بالمنتج الذي أرادوه، وبصرف النظر عن المال فأبو حنيفة رأى احتياجات الناس وإلى أين هم ذاهبون؟ إذًا، فهو الأول في الفقه لأنه رأى إلى أين يذهب الناس؟ وفكر في كيف له أن يساعدهم؟ وهذا ما أتحدث عنه، فإن كنت تسمعني ولا توجد بينك وبين الناس مشاكل، ففكر كيف يمكن أن يتقدم المسلمون خطوة للأمام من خلال فكرة التعايش هذه؟ دعونا من الدنيا، كيف لي أن أجني الثواب من خلال خدمة الناس؟ وهذا ما فعله أبو حنيفة
دعوني أشرح بصورة أوضح، لدينا منطقتان، منطقة تسمى الحجاز ومنطقة العراق -التي ظهر فيها أبو حنيفة-، وكان في الحجاز النبي ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فكانت مقرًّا للخلافة الإسلامية التي نقلت بعد ذلك إلى منطقة العراق - التي أصبحت فجأة من مجرد قطر عادي لتصبح في مركز الدائرة - فكانت العراق في عهد أبو حنيفة دولةً عالمية تماثل اليوم العواصم العالمية كلندن أو واشنطن، فكانت بغداد في ذلك الوقت، عاصمة عالمية إن لم تكن عاصمة العالم؛ لذا فإنك تتحدث عن مكان غير عادي عن الاقتصاد، الأموال، وغنىً غير طبيعيّ، بل إن الدنيا في تلك المنطقة في ذاك الوقت كانت تتطور تطورًا مذهلاً، وهذه النقطة التي سيبني عليها أبو حنيفة فقهه، فهو يرى أين تصل الدنيا؟ فما حدث آنذاك يشابه ما حدث في القرن الواحد والعشرين بسبب ثورة التكنولوجيا من بداية الأقمار الصناعية والهواتف المحمولة، وما حدث من تطور غير طبيعي للدنيا، فالوقت الذي وُجد فيه أبو حنيفة في بغداد يشبه ما يحدث الآن؛ فكل يومٍ فيه فكرةٌ جديدة، علم جديد، اختراع جديد، وكل يوم يتجه الناس إلى موضة جديدة، وكل يوم يزداد معتنقي الإسلام ليصلوا إلى الملايين من الهنود والباكستانيين والرومان، وكلهم يتجهون لبغداد! هل تصدق أن تعداد سكان بغداد في ذلك الوقت سنة80 للهجرة وصل إلى اثنتي مليون نسمة؟! وهذا يعني إنها بلد غير عادي، فالدنيا تتطور بشكل غير طبيعي تطورًا مذهلا، وعلى النقيض في الحجاز فقد كان الجو يتسم بالهدوء والسكون والاستقرار، فلم يكن حجم التطور هذا في مكة والمدينة على الإطلاق، يذهب الناس إليها للحج والاعتمار، وذلك لأن مكان الخلافة نقل للعراق وأصبح هو المركز.
ليس هذا فحسب بل كانت هناك حركة الترجمة وما أدراك ما تعنيه هذه الحركة في العراق آنذاك! ترجمة كل لغات وأفكار وعلوم الدنيا إلى العربية. ويعد ذلك كأنه هجومٌ شرسٌ من كل الثقافات الأخرى -كما يحدث الآن من الثقافات الأخرى على ثقافة المسلمين وتأثر الشباب بها وتخبطهم ورغبتهم في التقليد - كان هذا بالضبط ما يحدث في بغداد، على الرغم من أن الإسلام كان قويا، بل كان في أوج قوته، ولكن كان في المقابل هجوما شرسا، وانفتاحا كبيرًا، وتطورا سريعا، وكان الفقه في ذلك الوقت مقتصرا على استنباط الأحكام من القرآن والسنة -وبالطبع هذا ما قاله أبو حنيفة وما سنقوله لآخر الزمان - ولكن هناك نقطة ومشكلة أخرى وهي أن العراق تختلف عن الحجاز. ويحضرني هنا أنه لابد عند الحكم على أي شئ أن ترى البيئة والظروف التي يتحدث الناس فيها، فمصر تختلف عن السعودية، والجزائر مختلفة عن ليبيا ، لذا عندما تحكم على فكرة أو على شخص ما انظر للظروف التي نشأ فيها، ماذا يقولون في الحجاز؟ يقولون أن نتوقف عند نص الحديث دون كثرة التفكير أو محاولة تحميل الحديث أكثر مما يحتمل، بل نقف على ما ورد.

موقف أبو حنيفة لمواجهة احتياجات المجتمع المستحدثة:
أولا: الاجتهاد:
جاء أبو حنيفة وقال كلاما مختلفا، بالطبع قال: نأخذ بالقرآن والسنة، لكن لاحظوا أنهما آياتٍ وأحاديث محدودة العدد، وتطورات الحياة غير محدودة، فكيف أستخرج من القرآن والسنة هذه الأمور غير المحدودة؟ بدأ يقول أنه سيبدأ ما يُعرف بالاجتهاد، أو الرأي، أو القياس، والثلاثة مسميات بمعنى واحد تقريبا، ولا أريد الخوض في تفاصيلهم العلمية، وفي النهاية معناهم: سأبحث في الآية، فإن لم أجد، سأبحث في الحديث، فإن لم أجد -وقد قال ذلك كما أقول بالنص -سأبحث في كلام أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، فإن لم أجد سأُعملُ عقلي وأقيس الأمر المستجد- فقد قلنا إن العراق كانت متطورة جدا- على آخر مشابه ذكر في القرآن والسنة، مثل المخدرات -شئ مستجد- نربطها بالخمر؛ لأن كلاهما يُغيِّب العقل، وبالتالي تكون حراما، كيف نفعل هذا ونحكم على المستجدات والأحداث ونعمل العقل من خلال القرآن، ثم السنة، ثم الصحابة، ثم الاجتهاد أو الرأي؟ فسميت مدرسة الرأي، هذا ما فعله أبو حنيفة ليواجه احتياجات المجتمع.
جدير بالذكر أن مدرسة الحجاز أذوا أبو حنيفة إيذاءً غير طبيعي وهاجموه، واتهموه اتهامات رهيبة، ويرد عليهم: إني لا أستطيع التوقف فإن فعلت جمعتني الثقافات الأخرى، فهناك الملايين ممن يعتنقون الإسلام، والعراق تتطور باستمرار فلا بدّ أن أفكر في المستقبل وأحل المشاكل المستحدثة كل يوم؛ فالدنيا عندي متغيرة عكس الثبات الذي يوجد عندكم، وهذه نقطة هامة جدا في التعايش؛ أن آتي مكانك وتأتي مكاني، وأرى ماذا ترى؟ وترى ماذا أرى؟ وأعتبر ظروفك، وتعتبر ظروفي، إن ذلك ألف باء الدنيا ليحدث حوار. فهو رجل سابق لزمانه وصاحب رؤيا، فلديه مشكلة تختلف عن الحجاز الساكن الذي قلما تتجدد فيه أشياء آنذاك؛ لذا فإنهم يقفون عند النص كما هو، أما في بغداد فالدنيا تتطور تطورا رهيبا مما يوجب عليّ أن أكون سابقا للأحداث وموازيا لها، وإلا تخلَّف الفقه عن الدنيا، فتحدث فجوةٌ بين الإسلام وبين احتياجات الدنيا، فوضع أبو حنيفة الرأي حتى لا يترك فرصة لهذه الفجوة في الظهور، فيسير الإسلام والدين متوازيان مع احتياجات الحياة؛ فيتعايش الإسلام مع احتياجات الناس.
فأول ما فعله أنه وجد احتياجات للناس في العراق نتيجة التطور المذهل في الأحداث، وعلى الرغم من أن آيات القرآن محدودة إلا أنها صالحة لكل زمانٍ ومكان؛ وبالتالي فإنه يمكن أن نستخرج من هذه الآيات المحدودة ما يستجد من أشياء غير محدودة، ولا يتم ذلك إلا بإعمال العقل، هذا هو فقهه.
وبالطبع هوجم؛ لأن الناس لم تكن مدركة لأنه يقول كلاما جديدا، فهو يقول سأستخدم الرأي والعقل والاجتهاد، وسأقيس، ويقال إنه أقدر قيّاس، أو أقدر من قاس في تاريخ الإسلام. فالمدرسة كلها قائمةٌ على الفكر، أرأيت كيف كانت العقول مستنيرة؟! أرأيت بُعد نظره؟! فلم يقف جامدا في مكانه، ولاحظوا كم هو جرئ ليقول إن في الفقه الإسلامي اجتهاد، ورأي وقياس -وهذا بالطبع ما يقوله كل الفقهاء الآن -ولكنه أول من قال ذلك. وجدير بالذكر أن كل من خالفه ساروا على فكره بعد ذلك، عندما بدأت الحجاز هي الأخرى تتأثر بما هو موجود في العالم الإسلامي، واستجدت أحداث جديدة، وعلى الرغم من أن القرآن صالح لكل زمان ومكان إلا أنه لابد من التفكير في كيفية الاستفادة من هذه الآيات والأحاديث في الأحداث الجديد. فلا بد من إعمال العقل، والأخذ بالرأي، والاجتهاد، فكانت عظمته في كونه جريئًا لم يخجل أن يكون أول من يقول.
ذات مرة جاءه شخصٌ وقال له: "أريد أن أفهم إذا قلتَ قولاً وكتاب الله يقول غير ذلك، فبم ستأخذ؟ قال: طبعا بكتاب الله، فقال: جيد، إذا قال رسول الله قولاً وقلت قولاً، فبم ستأخذ؟ قال:طبعاً بقول رسول الله، قال: جيد، إذا قال أصحاب رسول الله قولاً وقلت أنت قولاً، بماذا ستأخذ؟ قال: بقول أصحاب رسول الله، قال: إذا قال تابعيّ قولاً وقلت أنت قولا؟ قال: هم رجالٌ ونحن رجال". سيستخدم رأيه، فهو أيضاً تابعيّ وسيتكلم هو الآخر، لدرجة أن الإمام الأوزاعيّ -وهو إمام الشام وكان يعيش في بيروت بلبنان-، جاء إليه عبد الله بن المبارك من تلاميذ أبي حنيفة ولم يكن يعلم ذلك، فيقول الأوزاعيّ له: "من هذا المبتدع في الإسلام الذي ظهر في العراق يكنّى أبو حنيفة؟" والإمام الأوزاعيّ رجل كبيرٌ جدا، ولكنه لم يطلع يوما على رؤية نظر الإمام أبو حنيفة، يقول عبد الله بن المبارك: "فلم أرد عليه؛ وإنما ذهبت وجمعت مسائل أبو حنيفة -اختار أروعها-فجئته بعد الصلاة، وقلت له: اقرأ، فقال: لمن هذه؟ قلت: لرجل يسمى النعمان بن ثابت -وهو اسم أبو حنيفة ولكن لم يكن يعرف الأوزاعيّ كنيته من اسمه - فظل يقرأ ويقول: عجبًا ما هذا الفقه؟! عجبا ما هذه الرؤية؟!، يقول فظل يقرأه حتى أذَّن المغرب ثم العشاء ثم ظل يقرأ، ثم قال لي: يا ابن المبارك الزم هذا الرجل فإنه عظيم، من هذا الرجل؟! فقلت له: هو أبو حنيفة، فقال: والله لقد بلغني عنه غير الذي قرأت".
نحن اليوم يا مسلمين، نسب بعضنا البعض دون أن نعرف ما يقوله الآخر؛ لأننا لا نريد أن نتحاور أو نفهم، نحكم على الناس بالسوء دون مقابلتهم أو محاورتهم أو سماعهم، اعتمادا على ما يقوله الناس، هذا لا يجب؛ لأن ألف باء التعايش أن تحاور وتسمع.
ولأن ما يقوله أبو حنيفة على المجتمع جديدا، أرسل إليه أمير المؤمنين الخليفة المنصور في الدولة العباسية -فقد وصل الأمر- إليه قائلاً: "بلغني أنك تقدم الرأي والقياس والاجتهاد على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فرد عليه: ليس كذلك يا أمير المؤمنين أنا أقول أولا بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله، ثم بأقضية أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، ثم أُعمل عقلي، فإن اختلف الصحابة أعمل عقلي فأختار من أراه أرجح لحاجة الناس".
أرأيتم من أين جاء أبو حنيفة؟ من احتياجات البيئة في العراق، فسبق ولبىّ احتياجات العراق، فبدأ يتحدث في الفقه ويحل المشكلات، ويستخرج ما يتماشى مع الحياة، فلم ينفصل الدين عن الحياة. لقد جئنا في زمن استجدت فيه أشياء، كالبنوك فترى ما وضعها في الإسلام؟ فلم نجد مجتهدين لاستنباط الرأي، وبعدها ظهر الاستنساخ، ماذا نفعل؟ فبدأت الفجوة بالظهور، وبدأ بعض الناس في الابتعاد عن الدين معللين ذلك بأنه لا يلبي احتياجات الحياة، وما نحتاجه في الدنيا لا يوجد في الدين، وبدأ الناس يأخذون الدين بتطرفٍ وعنف. أتصدق أن أبا حنيفة قد سدّ هذه الفجوة بأن وازى بين ما تحتاجه الدنيا وما يقوله الإسلام؟ فترى من يجعل الإسلام في زمننا هذا يتعايش مع الحياة هكذا؟ فيحب الناس الإسلام، ويقبلون عليه، ويقولون وجدنا فيه غايتنا.
ثانياً: الفقه التقديري:
ليس هذه نهاية النقاط، بل إنه فعل شئ آخر؛ فقد فكر في التقدم خطوة أخرى، وذلك بتفكيره، لِمَ ننتظر ما تريده الحياة ثم ترى بم يرد الإسلام؟ لِمَ نمشي مع الحياة ولا نسبقها؟! فوجد ما يعرف بالفقه التقديري، ويعني افتراض مسائل غير موجودة؛ ليفكر في حلول لها إن وجدت أتتخيلون ذلك؟ أتدرون كم مسألة؟ حوالي عشرون ألف مسألة!
وهل سيسبق في الدين؟ سيسبق في كل شئ في الاقتصاد، في الزراعة، في الزواج والطلاق، فقد وضع مسائل متوقعة الحدوث في الثلاثين والمائة سنة القادمة، لقد افترض أشياء استخدمناها في القرن العشرين؛ أتصدق أنه أول من تحدث في ترجمة القرآن إلى اللغات الأخرى؟ وقد هوجم عليها هجوما رهيبا -سنذكر ذلك لاحقً-، فكان يجلس ويتخيل أنه بعد عشرين عاماً قد يحدث في نهر دجلة والفرات كذا، وتعداد السكان اثنتا مليون نسمة، ماذا سنفعل؟ إنه يتحدث في الاقتصاد، والرجال الذين يخرجون للجهاد والمعارك المنتشرة في كل مكانٍ تاركين زوجاتهم إن لم يعودوا ولم نعرف ماذا حدث لهم فما وضع زوجاتهم؟ إنه شئ لم يحدث بعد ولكنه سباق، واستمر هكذا في سبق الأحداث وافتراض الأمور وتذهب الدنيا إليه، لدرجة أن الخلفاء وصلوا لمرحلة احتياج لفقهه؛ لأنه فكر في أمورٍ متوقعة الحدوث كالتعداد السكاني والاقتصاد ورأي الإسلام، فجعل الإسلام سابقا للدنيا.

ثالثا: مدرسة أبو حنيفة الفقهية:
وسينتقل الإمام نقلةً ثالثة:
فأولاً: كان الاجتهاد والرأي.
وثانيا: الفقه التقديري (ماذا لو حدث كذا؟).
وثالثا: سؤاله هل بإمكانه أن يفعل ذلك كله وحده؟ بالطبع لا؛ لأنه لكي أفكر في احتياجات الأمة، وأستنبط من القرآن والسنة، وأقيس وأجتهد، وأفترض المتوقع حدوثه في السنوات القادمة، فهذا لا يحتاج لعقل واحد وإنما يحتاج عقولاً، فكان الحل قراره ألا يفتي وحده. وإنما سأشكل مدرسةً فقهية، مثلما يعرف الآن بالمجمع الفقهي، والذي يجتمع فيه علماء من مختلف بلدان العالم ليتصوروا كيف يمكنهم حل مشكلةٍ ما؟ فهل تتخيل أن أول من فعل هذا هو أبو حنيفة سنة 80 هجرية؟ شكل مدرسة-أكاديمية-؛ لإيمانه بالمدرسة الجماعية في الفقه، لقد أسس مؤسسة ًعلميةً فقهية، جاء فيها بالتلاميذ والعلماء من مختف التخصصات، واتفق معهم أن يظلوا معاً سنوات طوال ليستخرجوا الفقه الإسلامي. انظروا لروعة ديننا! انظروا كيف وصل إلينا ديننا؟ كيف أسس هذه المدرسة؟ لقد جعلها قائمةً على الحوار بين أعضائها الأربعين، ولم يفرض رأيه لذا أقول لكم أن هذه الحلقة تتمحور حول الحوار، وهذا ما أدى إلى انتقاله للنقطة الرابعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:17 pm

تتمية الحلقة الرابعة
رابعا: إيمانه بالحرية:
النقطة الرابعة تدور حول إيمانه بالحرية، فإذا كان هو الأستاذ -بالفعل هو ذلك- وفرض رأيه عليهم فلن يكون هناك داعٍ لوجودهم! فكان يقول لهم: " أنتم أحرار قولوا ما شئتم، وخالفوني كيفما شئتم"؛ لإيجاد الحرية في حلقته أو مدرسته فيتمكن كل شخص من قول ما يشاء ويختلف معه كما يشاء، وما سيتفقون عليه في النهاية يكون هو فقههم جميعاً؛ فهي ليست مدرسته وحده بل مدرستهم جميعاً، على الرغم من أن اسمها مدرسة أبو حنيفة! لكن فيها الكثير من القضايا عكس رأي أبو حنيفة نفسه، وثبتت باسمه لأنها مدرستنا جميعًا، أرأيتم إلى ماذا أدت بيئة العراق-بدءاً من الرأي والاجتهاد والقياس؛ لمواجهة احتياجات المجتمع غير المحدودة، وانتقالاً إلى الفقه التقديري فنسبق الدنيا بدلاً من أن نظل نلهث وراءها؟ فعندما تصل الدنيا إلى ما افترضنا حدوثه تجد الدين واضعا الحول لها، ولنقوم بذلك نحتاج إلى حوارٍ ومدرسة وفريق عملٍ، فلن يجدي عمل الفرد وإنما نحتاج إلى عملٍ جماعي؛ لأنه لن يستطيع شخص واحد أن يقوم بذلك وحده.
ولتقيم هذا الحوار لابد من توفر حرية الرأي فيقول كل فرد ما يريد، وهكذا فقد كان أول من اتبع أربعة أمورٍ لم يسبقه أحدٌ إليها في تاريخ الإسلام. ألا تلاحظون شيئأ؟ فإن كل ما فعله أبو حنيفة قد سبق كل العلوم الأخرى. ففي الدولة العباسية، اشتهر علم الجبر وواضعه الخوارزميّ، وكذلك الكيمياء، والفلسفة، والمنطق، والجغرافيا، والتاريخ، فقد كانت هناك تطوراتٍ في بغداد تشبه الثورة الصناعية، ولكن كان أول من بدأ في كل هذه العلوم هو أبو حنيفة، وهذا يعني أن الفقه والدين سبق كل العلوم الأخرى، ولم يسبق فحسب؛ وإنما بسبب أبو حنيفة بدأت كل العلوم الأخرى في التقليد في جانب التفكير في المستقبل، وهذه هي الاختراعات التي تعتمد على شخص يفكر في المستقبل، فأنشئوا مدرسة جماعية للتفكير المشترك؛ لذا فإن أبو حنيفة لم يمهد فقط للفقه الإسلامي وإنما مهد لنهضةٍ علميةٍ شاملة. فأبو حنيفة والشافعيّ يعدا أحد أسباب نهضة أوروبا، وهذه ليست مبالغة؛ لأنهما وضعا قواعد الاستنباط للعلوم الأخرى - استنبطا من الدين- ولكنهما وضعا طرق الاستخراج لأي علمٍ، فقلدهما جابر بن حيان، وفلان، وفلان، وكذلك قلدهما ابن رشدٍ في الأندلس الذي أخذ فكر الشافعيّ وأبو حنيفة ونقله لأوروبا، فبدأت المدارس هناك تبني منهجها العلمي على كلامهما.
ثمة نقطة هامة وهي أن الدين ساعد باقي العلوم لتنجح، بعكس أوروبا التي كان عليها أن تفصل الدين لتنجح؛ لما بينه وبين العلم من تعارض، ولكن لدينا، الأمر مختلف فالعكس هو الصحيح، فهو الذي دفع العلوم الأخرى بسبب عقلية أبو حنيفة والشافعيّ؛ لأنهما تعلما من الإسلام حب العلم والحرية والتفكير، وقد أعطاهما القرآن هذه الأمور فانطلقا بها.
حلقة أبو حنيفة:
دعونا ندخل في الحلقة بعدما عرفنا كيف أسس النقاط الأربعة؟ وستجد قمة العظمة، فالصف الأول من الحلقة يجلس فيه الأربعون وهم علماء اللغة، والفقه، والحديث، والتفسير، والشعر، والأدب، وآخر خبير في شؤون الناس، وأحيانا إذا كانوا سيتحدثون في أمر ليست لديهم فيه الخبرة الكافية يستقدمون خبيرا -كما يحدث الآن- أو يذهبون إليه حتى إذا فُتح الموضوع يكونون على علمٍ، مثل فقه الصباغة الذي أرسل أبو حنيفة فيه أحد تلامذته محمد بن الحسن ليقيم وسط الصباغين أسبوعين أو ثلاثة؛ حتى إذا فتحوا باب هذا الأمر يكون بينهم خبيراً. هذه مدرسةٌ علمية وليست فكر شخص واحد، وهذا ما نتمنى أن نتعلمه في بلادنا هذه الأيام في القرن الحادي والعشرين، وهو ما يسمى فريق العمل، في الجامعات، والكليات، والمدارس؛ لأننا نفتقده بسبب عدم قدرتنا على العمل سويا لعجزنا عن سماع بعضنا البعض والتحاور معا، وفي هذه الحلقة جئت لأقدم طريقة تفكير لنعمل سويا، ونتعلم التحاور معا، نتعلم كيف لنا أن نسمع بعضنا بدلاً من أن نتشاجر سويا؟ ولابد أن نختلف، فقد اختلفت الحجاز والعراق.

ولكن هناك نقطة هامة، وهي أن وجود الحجاز المحافظة على الثوابت والعراق المتطورة والناظرة إلى المستقبل، أدى هذا الاختلاف لتكامل الإسلام، فتخيل إن لم تتواجد العراق التي تخترع للمستقبل، أو تخيل عدم وجود أبو حنيفة، أو عدم وجود الإمام مالك، أو الحجاز المحافظة على الثوابت والأصول، فنحن نحتاج لفكر الاثنين الذي سيثري الإسلام، فالاختلاف ثراءٌ وغنى، فلو نظرنا لاختلافي عنك على أنه مشاجرة وتعاركنا لتحوَّل ذلك لصراع ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)) (هود:118) فاختلافهم مفيد وثراءٌ للأرض؛ لأن الله يريد تعمير الأرض، فالعراق والحجاز كلاهما أفاد الإسلام، ونجحا معا، فقد وضع أبو حنيفة فكرته ونقاطه الأربعة.

مشاهد من حلقة أبو حنيفة وبعض ما تناولته:
دعونا نشاهد حلقة أبو حنيفة من الداخل، فقد بدأت وعمر أبو حنيفة أربعون سنةً، وقد ولد عام 80 هـ إذا كانت عام 120م، واستمرت ثلاثين عاما لسنة150م، مؤتمر مفتوح دائم يذهبون إليه يوميا، على الرغم من استمرار أبو حنيفة في عمله كتاجر ناجح بل مليونير، ومتجره مشهور ويقع في قلب العراق في أحد أكبر شوارعها، فلم يترك عمله بالتجارة، فهو عالم ذو مهنة، ولعل التجارة أفادته في طريقة التفكير، وعند انتهائه من عمله يجتمع الطلبة وفريق العمل كل يومٍ من المغرب إلى ما بعد العشاء، يجلس أبو حنيفة وإلى يمينه تلميذه الغالي النجيب أبو يوسف الذي يرى أنه سيكون في المستقبل شخصا غير عادي، وإلى شماله تلميذه الثاني ظفر-محمد بن الحسن- وكلاهما بيده ورقة وقلم، وأمامه يجلس الأربعون -تخيلوا هذا المشهد بأعينكم - ثم يجلس المئات من بعدهم، ويبدأ أبو حنيفة بفتح الموضوع، سنتحدث اليوم مثلاً في ماذا سيحدث لو حصل كذا وكذا في الاقتصاد، في الزراعة؟ فماذا يكون رأي الإسلام؟ من حل المشكلة؟ ويكون في الجلسة خبير في هذا الجانب فيبدأ بالتحدث، أعلم أن البعض قد يكون مندهشا من وجود هذا سنة 80 هـ، وكان النظام يقتضي رفع اليد، والأولوية للصف الأول، ولا يعطي أبو حنيفة رأيه مباشرة ولكن قد يعلق أحيانا، أو يوجه الحوار، وعلى يمينه أبو يوسف الذي بعدما يتفق الجميع وتنتهي المداولات، وتؤخذ الآراء، يقول له أبو حنيفة: اثبتها يا أبو يوسف كما اتفقنا عليها، فيدونها. وأحيانا لا يكون هناك رأيٌ واحد، بل يصلوا إلى رأيين أو ثلاثة آراء، فيدونها أبو يوسف جميعها، وعلى يساره "ظفر"، يدون هو الآخر، فهما يكتبان كل ما يحدث ليصلا في النهاية إلى الملخص. فأبو حنيفة يريد أن تقال الفتوى مع ذكر سببها، وقد قال: "لا تأخذوا مني ما أقوله دون أن تعرفوا لم قلته"، فيكتب أبو يوسف الفتوى ويأخذ من محمد بن الحسن تفصيلا وتلخيصا لِما أخذ هذا الرأي.

فهل سمع أحد في الدنيا أن هناك عصر ذهني بهذه الحيوية؟ وكان في الحلقة ما هو أشد من ذلك فعندما يجد أن الآراء بدأت في الاختلاف دون الوصول لحل، فيقول لمن هو أمامه: "أتأخذ رأيي؟ تبناه، وأتبنى أنا رأيك، وكلٌ منا يدافع عن رأي الآخر؛ كي نتجرد للحق؟ ما رأيك أن تناظر برأيي وأناظر برأيك؟ وكل واحدٍ يأخذ أدلة الآخر"، أتتخيلوا أن يحدث ما لم يعرف في علم الإدارة والمناظرات الآن سوى في العشرين والثلاثين سنةً الأخيرة آنذاك؟!إنه إذا أردنا التجرد للحق فعلى كلٍ منا أن يتبنى وجهة نظر الآخر، ويجلس كلٌ منا مكان الآخر.

اعتاد أبو حنيفة على السفر كل عامٍ إلى موسم الحج ليقابل علماء الحجاز فيأخذ آراءهم في بعض المسائل التي لا يعرف الرأي فيها -لاحظوا معنى الحج وموسم التعايش- وعندما يعود لا يجد مشكلةً في تعديل فتواه قائلاً: "كنت أرى كذا واليوم أرى كذا"، فعدلوا على ما قلنا.
ذات مرةٍ قال أبو حنيفة: "أنا أرى كذا"، ولم تنتهِ المناقشة، فكتب أبو يوسف، فقال له: "لا تكتب يا يعقوب، ويحك -كيف تفعل ذلك؟- إنما هذا رأيي فانتظر حتى نجتمع على رأي". فهل هناك أجمل من هذا؟ وفي بعض الأحيان ترتفع الأصوات في المناقشة، فيغضب البعض من علوّ الصوت في المسجد، فيقول أبو حنيفة: "دعوهم فإنهم لا يفقهون إلا هكذا". فلابد أن يحدث حوار وأن يظل جو الحرية هذا، في بعض الأحيان وأثناء حديثه وهو يعلق وقبل أن يصل لرأي، يقول له شخص: "أخطأت يا أبو حنيفة"، فسكت أبو حنيفة وقال قولاً آخر، فقال آخر: "أخطأت يا أبو حنيفة"، وكان هناك بين الحضور شخص كبير يحضر لأول مرة في المسجد، فوجد أن الاثنين يقولان للأستاذ الإمام الأعظم أخطأت يا أبو حنيفة، فنظر إلى التلاميذ وقال لهم: "ألا توقرون الشيخ؟ تقولون له أخطأت ويقبل ويسكت ولا تتكلمون"، فقال أبو حنيفة: "دعهم فلقد عودتهم ذلك من نفسي"، قال: "أعودتهم يقولون أخطأت؟ "قال: "لا نفقه إلا هكذا". ففقهنا لا يخرج إلا هكذا.

ما رأيكم في تاريخنا، وأدب الاختلاف؟ هل تقبل أن يقول لك أحدٌ أخطأت وأنت الكبير ذو المكانة؟ إلى أي مدى يضيق صدرك؟ هل من الممكن أن تكون أنت مؤسس الفكرة ليقول لك الناس أخطأت وتقول: أنا من عودهم ذلك؟!لاحظ شيئا هامًّا، أن هذا لا يعني التقليل من أبو حنيفة، فتظن أنه فقط ماهرٌ في جمع الناس، يقول الإمام مالك: "والله هذا الرجل -أبو حنيفة- لو أراد أن يقنعك أن هذا العمود -الخشب- ذهباً لأقنعك بحجته!"، ويقول أبو يوسف تلميذه: "كنا نختلف مع أبو حنيفة، فوالله تدور الأيام ولا نستقر إلا على ما قاله أبو حنيفة". ويقول ظفر: "جمعنا العلم من أناسٍ شتى، فوجدنا العلم بالتفاريق -عند كل شخص جزء منه-ووجدناها جملةً عند أبو حنيفة، فقلنا ليتنا ما أضعنا الوقت"، فكلما ذهبنا إلى شخص يعطينا جزءًا من العلم، فإذا ذهبنا لأبي حنيفة يعطينا إياه كاملا، لذا فإنك تتحدث عن شخصٍ غير عادي.

يقول الشافعي:"ما علمت أن في الأرض أفقه من أبو حنيفة!"، وعندما مجيئه يقولون: "هذا عالم الدنيا". ذات مرة، دخل الإمام أبو حنيفة على الإمام المنصور فقال له: "يا أبو حنيفة، ممن أخذت العلم؟ قال: من أصحاب عمر عن عمر بن الخطاب، ومن أصحاب ابن مسعود عن ابن مسعود، ومن أصحاب عليّ عن علي بن أبي طالب، فقال: كفاك لقد استوثقت علما"ً. لم يعرف أحد أن يأتي بعلمٍ أكثر من هذا، ورغم كل هذا العلم قبل أن يقال له أخطأت! ولما قيل له كيف تقبل لك؟ قال: "قبلها عمر وهو على المنبر من امرأة". أرأيتم جو الحرية والحوار؟ أتستطيع أن تسمع هكذا؟ نحن لا نحتمل أحداً يقول لنا هذا خطأ، يضيق صدرنا، ونرغب في الرحيل، نحن لا نحب أن يختلف معنا أحد، هذه هي ثقافتنا. ولكن ما رأيكم أن نفتح صفحةً جديدة وتقول سأستمع، قلد نبيك عندما قال: "أفرغت يا أبا الوليد؟"، " قل يا أبا الوليد، أسمع" -أنا أسمعك- هل تستطيعون يا أساتذة الجامعات، يا رجال، يا شباب، يا سياسيين أن تقيموا مثل جلسة أبو حنيفة هذه وبهذا الانفتاح؟ فقد كانوا يجلسون وأحيانا تطول المسألة ولا يجدون لها حلا في يومٍ واحد، بل قد تطول ليومين، أو ثلاثة أيام، وأحيانا تصل لأسبوع دون أن يتمكنوا من التوصل لحل، وعندما يصلون إليه ينادي المنادي: الله أكبر، فإذا سمع التكبير في الحلقة يعرف أن المسألة التي طالت لثلاث أيام وجدوا لها حلاً، واتفقوا عليه ويثبتها أبو يوسف، وعندما تسمع (الله أكبر) في المسجد يسارع من في الحلقات الأخرى لحلقة أبو حنيفة؛ ليسمعوا الحل، فهم لم يتمكنوا من الجلوس في المناقشة فيريدوا أن يسمعوا الحل، ويعرفوا القرار النهائي، أرأيت جو إبداء الرأي؟ لقد حافظوا عليه طيلة الثلاثين عاما. تخيل جمال تلك الحلقة لو كنت بينهم، إنه تشكيلٌ للفقه الإسلامي من خلال فريق عملٍ، ومؤتمرٍ دائم، إنها جامعة أبو حنيفة. ومن شدة جمال الحلقة، وهذا اللقاء اليومي سرَّع أبو يوسف بجنازة ودفن وعزاء ابنه عندما توفي حتى لا تفوته الحلقة! قد تقول: أيعقل هذا؟ نعم، فالناس تشعر بوجودها عندما يؤخذ برأيها، فتهون عليها كل مصيبة، وعندما يشعر الناس أنهم محترمون ورأيهم محل تقديرٍ، يحبون أنفسهم، ويحبون الناس، ويحبون ما يعملون من عملٍ، يا أصحاب الشركات، يا أزواج، يا آباء، عندما نسمع الناس فإننا نحترمهم، فيشعروا أنهم محترمون، فيضيفوا ويعطوا، ويحبوا بلدهم، فيبذلوا، ويبذلوا.

ذات مرةٍ بعد وفاة أبو حنيفة، وبعدما أصبح أبو يوسف قاضي الدولة الإسلامية كلها، وتلميذه محمد بن الحسن أصبح أستاذا للشافعي -وهذا ما أفرزته تلك الجلسة- وكذلك أصبح أبو يوسف مرافقاً لهارون الرشيد -تماما كما كان أرسطو مع الإسكندر الأكبر في كل أسفاره- ولا يتم قضاء إلا بأمر أبو يوسف، فتوفي ولديه اثنا مليون دينار. توفي وهو ثري جدا، وعند وفاته قالوا له: "تمنى، قال: أتمنى أن أكون في حلقة أبو حنيفة بنصف مالي"، وهو المليونير! مستعد أن يدفع مليوناً ويعيد أيام الحلقة واستخراج العلم التي استمرت ثلاثين عاما. لم هذا؟ لأنها قامت بالحوار، فقد اخترع طريقةً جديدة. أليست طريقة كل الفقهاء والعلماء أنه يعتمد على أستاذٍ يعطي درسا -كما نفعل الآن- ؟ لكنه فعل غير ذلك دعا للتفكير سويا، ويفكر معنا الجالسون بشرط أن يرفعوا أيديهم ولا يجادلون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:18 pm

أمثلةٌ مما كان يدور في الحلقة:
مثلاً في الاقتصاد، يبدأ أبو حنيفة قائلا: "أرأيتم وعددنا اثنتا مليون نسمة في بغداد، إن انحصر ماء دجلة والفرات، فماذا يكون؟ "، فيبدأ الناس بعرض افتراضات يحدث كذا وكذا، وبعدما يفرغ الناس من عرض افتراضاتهم يقول أبو حنيفة: "أرأيتم بعدما انحصرت المياه وظهرت الجزر إن قام رجلٌ وسوّر -أقام سوراً- حول قطعة أرضٍ ليست ملكه، وزرعها، فماذا يكون؟" فيفكرون وقد يستمر الأمر ليومين أو أكثر، والآراء كذلك مستمرة حول رأي الإسلام في من يزرع أرضا ليست ملكه لانحصار الماء عنها؟ فيصلوا في النهاية إلى أنها له ومحصولها ملكه؛ لأن هذا يؤدي إلى تنمية الأمة، فيبدأ بالقياس والرأي ويقول: "من يقسها على حديث النبي: "من أحيا أرضاً ميتاً فهي له"؟ فيصح القياس، دعونا نقيم تفريعاتٍ للمسألة، فما رأيكم إن قلنا: يستأذن الوالي أم لا يستأذنه في زراعة هذه الأرض؟ ويبدؤوا في التفكير والاختلاف، وترتفع الأصوات، ما بين مؤيدٍ لفكرة الاستئذان ومعارضٍ لها، فيقول أبو حنيفة لأبي يوسف: "اثبت الرأيين؛ فأنا أقول يستأذن الوالي وهم يقولون لا يستأذن الوالي، ولم نعرف أننا نتفق، فاثبت أن لدينا الرأيين". أرأيتم لو ألقى شخص بأشياء في دجلة والفرات -كما يحدث الآن في النيل المصري- ولوثهما، ما رأي الإسلام؟ لابد أن يعزر، ويدفع غراماتٍ؛ لأن -كما يقول أبو حنيفة - دجلة والفرات طريق للمسلمين، كل المسلمين ولغير المسلمين، فيجب أن تحترم، ثم فعل أبو حنيفة شيئا عجيبا آخر أسماه: حلول تعرض على الأمير، فنقترح أن تعين جهة تقوم بالإشراف على دجلة والفرات بألا يلوثه أحد، تخيل أن هذا الكلام صاحبه هو أبو حنيفة!

نقطة أخرى رائعة، فالآن يدخل إلى العراق أناسٌ من مختلف الجنسيات بعد إشهار إسلامهم، ولا يعرفون العربية فهل يجوز أن يقرؤا الفاتحة بلغتهم؟ أتتخيل إلى أين يذهب بفكره؟ فبعد اتفاقهم على الفتوى كانت الإجابة: نعم يجوز أن يقرأ الفاتحة بلغته -وهذا في الفقه الحنفي وسيكون معنا فقيه يسرد ذلك بالتفصيل فيما بعد-، فقامت عليه الدنيا بعد هذه الفتوى مدعين أنه يشوه الإسلام، ولكن انظروا لفائدة الحوار، فقد أرسلت إليه الحجاز من يحاوره ويقول له: "يا أبو حنيفة، إذا تضيع العربية وتضيع لغة القرآن"، فجمع الحلقة مرةً أخرى قائلاً لهم: "جاءنا كذا وكذا"، ولك أن تتخيل كيف كانت طبيعة الجو الذي عاشوا فيه، فأيّ بيئة صحية كانت تلك؟ وكيف كان للحوار روعةً؟


ما رأيكم أيها الآباء والأمهات أن تقيموا حواراً دائما مستمرا بينكم وبين أبنائكم؟ وما رأيكم يا أساتذة الجامعات أن يخصص جزءًا من المحاضرة للحوار مع الطلبة؟ ما رأيكم يا علماء الدين أن يكون الحوار سواءٌ كان على أحد مواقع الإنترنت – كما نفعل على موقع عمرو خالد دوت نت- أو بأي طريقة أخرى، وبالمناسبة فإني أرجوكم أن ترسلوا إلينا بعد هذه الحلقة وكل حلقة على الموقع لنطبق ما أقوله من كلامٍ نظري لمحاوراتٍ، حيث إني أدخل بعد كل حلقةٍ لمدة أسبوعٍ لنتناقش ونفعل كما فعل أبو حنيفة فنتعلم منه، نتعلم من أجدادنا. فكثير هو الكلام عن التعايش، وإني لآسف لأن الغرب ينسب التعايش له كأنه أحد مخترعاته، وهذا غير صحيح -مع احترامي لهم- وهذا البرنامج كما يعرض في فضائيتنا، فالحمد لله سيعرض أيضاً في فضائياتهم بعد الدبلجة لخمس لغات أخرى. ففي التعايش نحن نفتخر بأن عندنا أبو حنيفة، ولا نقول هذا لندعي أننا على صوابٍ دائم وأنتم على الخطأ، وإنما لنقول أن لنا أيادي بيضاء على البشرية، لقد أضفنا للبشرية، وعلمناها التعايش ((...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...)) (الحجرات: 13). ماذا يقول الغرب فيما أقوله وحلقة ومدرسة أبو حنيفة الفقهية هذه لم تعرففي الغرب إلا في القرن التاسع عشر؟

أعطيكم مثالاً رائعا، فعندما ردوا عليه عندما أجاز قراءة الفاتحة بغير العربية، فاستفاد وجمع الحلقة من جديد، وعدلوا في الفتوى لتصبح بأن ما أفتي سابقاً وضعٌ محدود إلى أن يجيد العربية، فإذا لم يتعلم يأثم، وإن تعلم ونطق بغير العربية لا تصح صلاته، فوزنت الفتوى وكان ذلك نتيجةً للحوار الذي يستطيع إصلاح الكثير

أحيانا كان يرهق الناس من المسألة، ويملون أحيانا، وللعلم فإن بعض العلماء في الحلقات الأخرى تركوا حلقاتهم وانضموا لفريق عمل أبو حنيفة؛ مثل أحد العلماء الكبار في الكوفة اسمه مسعر بن كيدان، وكان يلقب بالمصحف لشدة حفظه، انتقل بحلقته قائلاً لطلبته: "سأترك حلقتنا وأنضم إلى أبو حنيفة" فأصبح واحدًا من الأربعين. أرأيتم هذا التعايش، وهذا الإسلام الذي علم الناس التفاهم؟ لم لا نكون كذلك؟ لم لا نخرج من هذه الحلقة ولدينا النية للحوار؟
في بعض الأحيان عندما يجد أن الناس بدأت تمل من المواضيع الكبيرة، فيقدم لهم أحجيات؛ للتخفيف عنهم، فالحلقة تكون أحجية، وأذكر لكم واحدةً منها-ويبدو أنه أخذ ذلك من الإمام عليّ بن أبي طالب-: قال لهم: "سقط أسدٌ في حفرة، فاحتشد عدد كبير من الناس يرغبون في رؤية الأسد؛ لأنها أول مرةٍ يشاهد في الصحراء، ومن شدة تزاحم الناس سقط شخصٌ في الحفرة فأراد أن يمسك بأحد لينقذ نفسه فسقط من أمسك به معه،وسحب الثاني الثالث، وشدّ الثالث رابعاً الذي لم يستطع أن يشدّ أحد، فسقط الأربعة والتهمهم الأسد، فكم تكون دية كل فرد منهم؟" -وكانت في ذلك الوقت مئة ناقة لكل شخص-، فبدأت الحلقة في الحوار والتفكير، وفي النهاية لم يتوصل للحل سوى أبو حنيفة، فقال لهم: "الأول سحب ثلاثةً فينقص ثلاثة أرباع ديته، فيأخذ الربع فقط 25 ناقة، وسحب الثاني شخصين فينتقص من ديته ويأخذ خمسين ناقة، والثالث سحب شخصا واحدا فينقص منه 25 ويأخذ خمسة وسبعين ناقةً، أما الرابع لم يسحب أحدا ولم يخطئ فيأخذ المائة ناقة"، ثم سألهم: "من الذي سيدفع الدية؟ فتعود المناقشات في الحلقة، ويكون الحل هو أن كل المتزاحمين يشتركون في دفع الدية، فقد استخرج حوالي عشرين ألف مسألةٍ افتراضية. وأحيانا يحدث حدثٌ في الكوفة فيجعله موضوعاً للحلقة، مثل تعرض امرأة لحالات نوباتٍ نفسية أحيانا، فرأت رجلاً مارا، فتشاجرت معه وسبته سبا شديدا فيه قذف، فجاء بها الوالي إلى المسجد وأقام عليها الحد مرتين؛ لأنها سبت والديه، حدًّا للأب و آخر للأم، وعند حضور أبو حنيفة للحلقة يقول لهم: "حدث اليوم كذا وكذا وكذا، وقد أخطأ القاضي خمسة أخطاء ، من يستخرجها؟" الأخطاء الخمسة هي:
*أنه أقام الحد في المسجد، والحد لا يقام في المسجد.
* ثانياً لم يسأل الرجل أيعفو أم لا؟ بل أقام الحد مباشرةً متسرعا، وقد يعفو الرجل عنها.
*ثالثاً: أنه أقام حدين لكل من الأب والأم، والصواب أن يقام حد واحدٌ؛ فلو كانت سبت مئة شخص أتضرب مئة مرة؟

خاتمة:
هذا هو فقه أبو حنيفة، قائماً على الحوار والحرية والاستماع، وقبول الاختلاف، والتعايش ولأنه كان قادرا على التعايش بهذا الشكل استمر فقهه إلى اليوم، فبالحوار نجني الكثير وننجح، ويعطيك ثوابا وتنجح في الدنيا، ويقوي هذا الأمة، فاسم أبو حنيفة مخلد إلى اليوم لأنه استطاع أن يتعايش.
وقد تعايش بشيئين وهما هدف هذه الحلقة:
· لن أكون جامداً، وسأرى ما هي احتياجات المجتمع وأؤديها.
· إنشاؤه مدرسة حوارٍ، فكان هو أول مؤسس لمدرسة الحوار لا أريد أن أقول في العالم ولكن قد يكون كذلك.

أيها الغرب إن لنا على العالم فضل في التعايش. ويا مسلمين، أتمنى أن نبدأ بالتفكير في الحوار بدءاً من أولادنا، وزملاءنا في العمل؛ فكفانا خلافاً ومصائب، ولابد لنا من أن نختلف، ولكن الحوار سيقرب ويجمع بيننا.
أسأل الله تبارك وتعالى أن تكون هذه الحلقة بداية حوارٍ جميلٍ مفيد، ونفخر أن في تاريخنا أبو حنيفة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسبى ربى0
عضو
عضو
حسبى ربى0


عدد الرسائل : 23
تاريخ التسجيل : 08/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-08, 10:21 pm

أمثلةٌ مما كان يدور في الحلقة:
مثلاً في الاقتصاد، يبدأ أبو حنيفة قائلا: "أرأيتم وعددنا اثنتا مليون نسمة في بغداد، إن انحصر ماء دجلة والفرات، فماذا يكون؟ "، فيبدأ الناس بعرض افتراضات يحدث كذا وكذا، وبعدما يفرغ الناس من عرض افتراضاتهم يقول أبو حنيفة: "أرأيتم بعدما انحصرت المياه وظهرت الجزر إن قام رجلٌ وسوّر -أقام سوراً- حول قطعة أرضٍ ليست ملكه، وزرعها، فماذا يكون؟" فيفكرون وقد يستمر الأمر ليومين أو أكثر، والآراء كذلك مستمرة حول رأي الإسلام في من يزرع أرضا ليست ملكه لانحصار الماء عنها؟ فيصلوا في النهاية إلى أنها له ومحصولها ملكه؛ لأن هذا يؤدي إلى تنمية الأمة، فيبدأ بالقياس والرأي ويقول: "من يقسها على حديث النبي: "من أحيا أرضاً ميتاً فهي له"؟ فيصح القياس، دعونا نقيم تفريعاتٍ للمسألة، فما رأيكم إن قلنا: يستأذن الوالي أم لا يستأذنه في زراعة هذه الأرض؟ ويبدؤوا في التفكير والاختلاف، وترتفع الأصوات، ما بين مؤيدٍ لفكرة الاستئذان ومعارضٍ لها، فيقول أبو حنيفة لأبي يوسف: "اثبت الرأيين؛ فأنا أقول يستأذن الوالي وهم يقولون لا يستأذن الوالي، ولم نعرف أننا نتفق، فاثبت أن لدينا الرأيين". أرأيتم لو ألقى شخص بأشياء في دجلة والفرات -كما يحدث الآن في النيل المصري- ولوثهما، ما رأي الإسلام؟ لابد أن يعزر، ويدفع غراماتٍ؛ لأن -كما يقول أبو حنيفة - دجلة والفرات طريق للمسلمين، كل المسلمين ولغير المسلمين، فيجب أن تحترم، ثم فعل أبو حنيفة شيئا عجيبا آخر أسماه: حلول تعرض على الأمير، فنقترح أن تعين جهة تقوم بالإشراف على دجلة والفرات بألا يلوثه أحد، تخيل أن هذا الكلام صاحبه هو أبو حنيفة!

نقطة أخرى رائعة، فالآن يدخل إلى العراق أناسٌ من مختلف الجنسيات بعد إشهار إسلامهم، ولا يعرفون العربية فهل يجوز أن يقرؤا الفاتحة بلغتهم؟ أتتخيل إلى أين يذهب بفكره؟ فبعد اتفاقهم على الفتوى كانت الإجابة: نعم يجوز أن يقرأ الفاتحة بلغته -وهذا في الفقه الحنفي وسيكون معنا فقيه يسرد ذلك بالتفصيل فيما بعد-، فقامت عليه الدنيا بعد هذه الفتوى مدعين أنه يشوه الإسلام، ولكن انظروا لفائدة الحوار، فقد أرسلت إليه الحجاز من يحاوره ويقول له: "يا أبو حنيفة، إذا تضيع العربية وتضيع لغة القرآن"، فجمع الحلقة مرةً أخرى قائلاً لهم: "جاءنا كذا وكذا"، ولك أن تتخيل كيف كانت طبيعة الجو الذي عاشوا فيه، فأيّ بيئة صحية كانت تلك؟ وكيف كان للحوار روعةً؟


ما رأيكم أيها الآباء والأمهات أن تقيموا حواراً دائما مستمرا بينكم وبين أبنائكم؟ وما رأيكم يا أساتذة الجامعات أن يخصص جزءًا من المحاضرة للحوار مع الطلبة؟ ما رأيكم يا علماء الدين أن يكون الحوار سواءٌ كان على أحد مواقع الإنترنت – كما نفعل على موقع عمرو خالد دوت نت- أو بأي طريقة أخرى، وبالمناسبة فإني أرجوكم أن ترسلوا إلينا بعد هذه الحلقة وكل حلقة على الموقع لنطبق ما أقوله من كلامٍ نظري لمحاوراتٍ، حيث إني أدخل بعد كل حلقةٍ لمدة أسبوعٍ لنتناقش ونفعل كما فعل أبو حنيفة فنتعلم منه، نتعلم من أجدادنا. فكثير هو الكلام عن التعايش، وإني لآسف لأن الغرب ينسب التعايش له كأنه أحد مخترعاته، وهذا غير صحيح -مع احترامي لهم- وهذا البرنامج كما يعرض في فضائيتنا، فالحمد لله سيعرض أيضاً في فضائياتهم بعد الدبلجة لخمس لغات أخرى. ففي التعايش نحن نفتخر بأن عندنا أبو حنيفة، ولا نقول هذا لندعي أننا على صوابٍ دائم وأنتم على الخطأ، وإنما لنقول أن لنا أيادي بيضاء على البشرية، لقد أضفنا للبشرية، وعلمناها التعايش ((...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...)) (الحجرات: 13). ماذا يقول الغرب فيما أقوله وحلقة ومدرسة أبو حنيفة الفقهية هذه لم تعرففي الغرب إلا في القرن التاسع عشر؟

أعطيكم مثالاً رائعا، فعندما ردوا عليه عندما أجاز قراءة الفاتحة بغير العربية، فاستفاد وجمع الحلقة من جديد، وعدلوا في الفتوى لتصبح بأن ما أفتي سابقاً وضعٌ محدود إلى أن يجيد العربية، فإذا لم يتعلم يأثم، وإن تعلم ونطق بغير العربية لا تصح صلاته، فوزنت الفتوى وكان ذلك نتيجةً للحوار الذي يستطيع إصلاح الكثير

أحيانا كان يرهق الناس من المسألة، ويملون أحيانا، وللعلم فإن بعض العلماء في الحلقات الأخرى تركوا حلقاتهم وانضموا لفريق عمل أبو حنيفة؛ مثل أحد العلماء الكبار في الكوفة اسمه مسعر بن كيدان، وكان يلقب بالمصحف لشدة حفظه، انتقل بحلقته قائلاً لطلبته: "سأترك حلقتنا وأنضم إلى أبو حنيفة" فأصبح واحدًا من الأربعين. أرأيتم هذا التعايش، وهذا الإسلام الذي علم الناس التفاهم؟ لم لا نكون كذلك؟ لم لا نخرج من هذه الحلقة ولدينا النية للحوار؟
في بعض الأحيان عندما يجد أن الناس بدأت تمل من المواضيع الكبيرة، فيقدم لهم أحجيات؛ للتخفيف عنهم، فالحلقة تكون أحجية، وأذكر لكم واحدةً منها-ويبدو أنه أخذ ذلك من الإمام عليّ بن أبي طالب-: قال لهم: "سقط أسدٌ في حفرة، فاحتشد عدد كبير من الناس يرغبون في رؤية الأسد؛ لأنها أول مرةٍ يشاهد في الصحراء، ومن شدة تزاحم الناس سقط شخصٌ في الحفرة فأراد أن يمسك بأحد لينقذ نفسه فسقط من أمسك به معه،وسحب الثاني الثالث، وشدّ الثالث رابعاً الذي لم يستطع أن يشدّ أحد، فسقط الأربعة والتهمهم الأسد، فكم تكون دية كل فرد منهم؟" -وكانت في ذلك الوقت مئة ناقة لكل شخص-، فبدأت الحلقة في الحوار والتفكير، وفي النهاية لم يتوصل للحل سوى أبو حنيفة، فقال لهم: "الأول سحب ثلاثةً فينقص ثلاثة أرباع ديته، فيأخذ الربع فقط 25 ناقة، وسحب الثاني شخصين فينتقص من ديته ويأخذ خمسين ناقة، والثالث سحب شخصا واحدا فينقص منه 25 ويأخذ خمسة وسبعين ناقةً، أما الرابع لم يسحب أحدا ولم يخطئ فيأخذ المائة ناقة"، ثم سألهم: "من الذي سيدفع الدية؟ فتعود المناقشات في الحلقة، ويكون الحل هو أن كل المتزاحمين يشتركون في دفع الدية، فقد استخرج حوالي عشرين ألف مسألةٍ افتراضية. وأحيانا يحدث حدثٌ في الكوفة فيجعله موضوعاً للحلقة، مثل تعرض امرأة لحالات نوباتٍ نفسية أحيانا، فرأت رجلاً مارا، فتشاجرت معه وسبته سبا شديدا فيه قذف، فجاء بها الوالي إلى المسجد وأقام عليها الحد مرتين؛ لأنها سبت والديه، حدًّا للأب و آخر للأم، وعند حضور أبو حنيفة للحلقة يقول لهم: "حدث اليوم كذا وكذا وكذا، وقد أخطأ القاضي خمسة أخطاء ، من يستخرجها؟" الأخطاء الخمسة هي:
*أنه أقام الحد في المسجد، والحد لا يقام في المسجد.
* ثانياً لم يسأل الرجل أيعفو أم لا؟ بل أقام الحد مباشرةً متسرعا، وقد يعفو الرجل عنها.
*ثالثاً: أنه أقام حدين لكل من الأب والأم، والصواب أن يقام حد واحدٌ؛ فلو كانت سبت مئة شخص أتضرب مئة مرة؟

خاتمة:
هذا هو فقه أبو حنيفة، قائماً على الحوار والحرية والاستماع، وقبول الاختلاف، والتعايش ولأنه كان قادرا على التعايش بهذا الشكل استمر فقهه إلى اليوم، فبالحوار نجني الكثير وننجح، ويعطيك ثوابا وتنجح في الدنيا، ويقوي هذا الأمة، فاسم أبو حنيفة مخلد إلى اليوم لأنه استطاع أن يتعايش.
وقد تعايش بشيئين وهما هدف هذه الحلقة:
· لن أكون جامداً، وسأرى ما هي احتياجات المجتمع وأؤديها.
· إنشاؤه مدرسة حوارٍ، فكان هو أول مؤسس لمدرسة الحوار لا أريد أن أقول في العالم ولكن قد يكون كذلك.

أيها الغرب إن لنا على العالم فضل في التعايش. ويا مسلمين، أتمنى أن نبدأ بالتفكير في الحوار بدءاً من أولادنا، وزملاءنا في العمل؛ فكفانا خلافاً ومصائب، ولابد لنا من أن نختلف، ولكن الحوار سيقرب ويجمع بيننا.
أسأل الله تبارك وتعالى أن تكون هذه الحلقة بداية حوارٍ جميلٍ مفيد، ونفخر أن في تاريخنا أبو حنيفة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وجزى الله خيرا الاخت التى فرغت هذه الحلقات
وفى انتظار البقيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لا اله الا الله
عضو
عضو



عدد الرسائل : 36
تاريخ التسجيل : 06/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-10, 11:11 pm

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بارك الله فيك
وجزاك كل الخير
ان شاء الله
ونفع بك الاسلام والمسلمين
والى الامااااااااام
تقبل مرورى
Smile
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محبة الرسول
عضو
عضو



عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 06/05/2007

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Empty
مُساهمةموضوع: رد: بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش   بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش Icon_minitime2007-05-31, 10:05 pm

بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش 22
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بعون الله نبدأ سلسلة حلقات دعوة للتعايش
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ركن الاسلاميات :: القسم العام-
انتقل الى: