صفعة أنابوليس
بوش وعباس وأولمرت أبطال مهزلة أنابوليس
لم يكن مؤتمر خريف ميريلاند فى مدينة أنابوليس ورطة فقط لمن حضروه من العرب ولكنه كان صفعة مؤلمة لمن ظنوا أنهم سيجنون شيئا لصالح القضية الفلسطينية .
حين أتحدث عن الهرولة العربية للمؤتمر فهى لم تكن من أجل القضية الفلسطينية ولا السلام المزعوم بل كانت ارضاءا للسيد الأمريكى الذى أمرهم ونهاهم من بيته الأبيض .
مئات الألوف فى غزة يتظاهرون ضد أنابوليس
أمرهم بالحضور دون تردد أو تخلف بما فيهم الدولة التى كنا نظن أنها تتزعم الممانعة العربية , سوريا , فأجابوا فورا , ونهاهم عن تأييد المقاومة أو فك الحصار عن غزة فلم يترددوا أبدا فى تلبية الطلب .
قبل المؤتمر بشهور ترددت بعض الدول العربية مثل مصر وسوريا فى حضور المؤتمر بدعوى أن ليس فيه جديد ولن يقدم شيئا سوى العلاقات العامة والتطبيع المجانى مع اسرائيل , غير أن السيدة رايس عنفت وهددت بعض زعماء الدول العربية فى ضرورة الاستجابة للمطالب الأمريكية , فتحولت بوصلة هذه الدول فى اتجاه واشنطن وبسرعة على الرغم ربما من أنف بعض الدول التى ذهبت مرغمة وليست قانعة , لاحظ معى تصريح وزير الخارجية السعودى الذى قال فيه أن أيا من وزراء الخارجية العرب المشاركين فى مؤتمر أنابولوس لن يصافح أحدا من الإسرائيلين وكانت وسائل الاعلام الصهيونية قد راهنت على هذه المصافحة كأحد أهم انجازات المؤتمر لصالح اسرائيل .
وبما أن وزراء الخارجية العرب قد ذهبوا مرغمين وليسوا قانعين فقد تلقوا الصفعة بعد ورطة المشاركة حيث لاطعم لهم ولا رائحة حيث غاب دورهم تماما حتى لو من قبيل الترويج للمبادرة العربية التى داستها اسرائيل بأقدامها , وعلى عمرو موسى أن يفسر للرأى العام العربى ما هو دوره فى هذا المؤتمر؟ ولماذا شارك فيه ؟ ولماذا لم نسمع صوته ؟ واستمع للمحلل الصهيونى فى جريدة أديعوت أحرانوت , ماذا يقول عن العرب ؟ حيث استخف سيفر بلوتسكر " بمشاركة الدول العربية في "أنابوليس"، معتبرا أن وجودها يساهم فقط في عدم التوصل لتسويات سياسية، ونوه إلى أن إسرائيل تحقق اتفاقيات وتفاهمات مع الدول العربية عندما تقوم بإجراء اتصالات ومفاوضات ثنائية فقط.
وشبه بلوتسكر الوفود العربية بـ"عرائس جئن لمغازلة عريس (أولمرت) برغم أنوفهن"، معتبرا أن نتيجة المؤتمر باتت معروفة، حيث سيتصلب الموقف الإسرائيلي وتستغله الدول العربية في الدعاية والنتيجة أن تنتهي العملية السياسية إلى مأزق.
واستخف بلوتسكر بالسعي للتوصل إلى بيان مشترك أو وثيقة مبادئ مشتركة قائلا: "تاريخ النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني مليء بمثل هذه البيانات.. الشعبان شبعا منها".
وأشار المعلق الإسرائيلي إلى أنه "خلال الستين سنة الماضية لم يكن لدول النفط العربية مصلحة على هذا القدر من الشدة في منع اشتعال نزاع إسرائيلي–فلسطيني مثلما لديها الآن، وهي تحتاج إلى الهدوء كي تدافع عن ثرائها الخيالي والتمتع به وبثماره".
وأضاف: "يحتمل أن ما لم يفعله العقل في الماضي، سيفعله الآن الحرص على المال، وأن هذه الدول ستساعد على إحلال السلام.. من يدري؟ لعلنا نفرك عيوننا غير مصدقين على مشهد سفير سعودي يقدم أوراق اعتماده لبيريز (الرئيس الإسرائيلي)"، على حد تعبيره.
قمع أجهزة عباس فى الضفة للتظاهرات ضد أنابوليس
لكن محمود عباس كان أكثر الحاضرين تلقيا للصفعة وعلى مايبدوا أنها كانت مدوية لدرجة أن الرجل ربما يفقد كل شئ من لاشئ راهن عليه فى هذا المؤتمر للأسباب التالية
1 – فشل المفاوضون الفلسطينيون فى التوصل لوثيقة أنابوليس المزعومة قبل التئام المؤتمر مباشرة مع الجانب الصهيونى وكانوا يراهنون بقوة على هذه الوثيقة التى فشلت بسبب اصرار الجانب الصهيونى على انتزاع اعتراف من الجانب الفلسطينى على يهودية الدولة الصهيونية حتى يسقط حق العودة وربما بعد ذلك يقوم بطرد العرب المسلمين من فلسطين عام 1948 .
2 – حديث بوش فى المؤتمر عن يهودية الدولة الصهيونية والهجوم على المقاومة الفلسطينية الأمر الذى أكده أولمرت رئيس وزراء العدو الصهيونى فى كلمته اضافة الى تذكير بوش بتعهده الذى قطعه على نفسه لشارون عام 2004 أن لاعودة للاجئين ولا لتفكيك المستوطنات الكبيرة من الضفة .
استمرار قمع أجهزة عباس للتظاهرات ضد أنابوليس فى الضفة
3 – المظاهرات العارمة التى اندلعت فى الضفة وغزة ففى غزة سمح لمئات الألوف للخروج للتعبير عن رفضهم للمؤتمر , حتى بعض النخب المقربة من حركة فتح وأبو مازن سمح لها بالتعبير عن رأيها فى تأييد المؤتمر , غير أن قمعا غير مسبوق من جانب أجهزة عباس فى الضفة أطاح بكل المسيرات السلمية المعارضة للمؤتمر هناك من قبل معظم الفصائل الفلسطينية المعارضة بل أوقع عشرات القتلى والجرحى واعتقل العشرات من المعارضين للمؤتمر بل اعتدى على عدد كبير من الصحفيين وصادر كميراتهم.
ارادة سيدة فلسطينية رغم قهر أجهزة عباس فى غزة
4 – كانت تلك المظاهرات العارمة تمثل افلاسا لفريق أبو مازن ومجموعة أوسلو التى تتدعى أنها تفاوض باسم الشعب الفلسطينى , فاذا بالشعب الفلسطينى ينتفض فى داخل فلسطين وخارجها ضد المؤتمر مما يعرى الفريق الفلسطينى المفاوض فى المؤتمر من أى مساندة شعبية ويكشفه بلا غطاء جماهيرى يؤيده .
سيدات غزة فى قلب المظاهرات ضد أنابوليس
5 – وعلى الجانب الآخر سمح الكيان الصهيونى بمظاهرات ضخمة لما يسمى باليمين المتطرف فى القدس المحتلة وتل أبيب بالخروج بمظاهرات ضخمة تعارض المؤتمر وعلى مايبدوا اننا لم نسمع عن أن الأمن الصهيونى تصدى بالرصاص للمتظاهرين فأوقع العديد من القتلى والجرحى واعتقل العشرات كما حدث فى الضفة الغربية من قوات أمن عباس .
6 – تأكيد أولمرت على عباس أنه لن يتفاوض فى قضايا الحل النهائى الا بعد بسط سيطرة عباس على غزة والقضاء على الارهابيين ( يقصد حماس والجهاد )
7 – عباس كان يأمل فى الخروج من المؤتمر بأى جديد , أقول بأى جديد وليس بأى مكسب , حتى يروج لانجاز مع الجانب الصهيونى يتخذه زريعة لاقصاء حماس عن الساحة الفلسطينية بدعوى أنها تقوض فرص التسوية مع الجانب الصهيونى , لكن هذا لم يحدث .
حتى زهور غزة ضد أنابوليس
المشهد عبثى , أولمرت يغازل العرب فى المؤتمر والمسئولين العرب والفلسطينيين جنبا الى جنب مع وزيرة الخارجية الصهيونية والمسئولين الصهاينة وبوش يؤكد على التطبيع بين العرب واسرائيل ويظهر ذلك جليا فى غداء العمل حيث يجلس الجميع على مائدة واحدة .
بوش وأولمرت ربحا كل شئ وحققا الأهداف كلها من تطبيع مجانى اسرائيلى مع الدول العربية وبناء حلف أمريكى صهيونى عربى لمواجهة ايران , ولم يخرج الفلسطينيون ولا العرب بأى شئ بل انكشفوا وتلقوا الصفعة بعد أن سقط القناع من على وجوههم بعد سقوط أوراق الخريف فى ولاية ميريلاند الأمريكية.
د محمد يوسف